Wednesday 28 December 2016

الترجمة الأدبية في ضوء كليلة و دمنة دكتور : محمد سليم ام دي

           
 الترجمة الأدبية
  في ضوء
 كليلة و دمنة
دكتور : محمد سليم  ام  دي
ازدهرت كتب الترجمة إلي اللغة العربية  في العصر العباسي في الأدب العربي القديم,  فان الترجمة إلي اللغة العربية قد كثرت و أثمرت  من اللغة الفارسية  منذ القديم.
وإنما المقصود ما أنتجته الترجمة من تكوين قواسم مشتركة عديدة بين العرب والإيرانيين على الصعود الاجتماعية والسياسية والثقافية والأدبية.
 وقد حمل أعباء ذلك كل من أبناء الشعبين على السواء، فأكدوا عظمة التفاعل المتبادل بينهم وأتاحوا للأدباء والباحثين والشعراء الاطلاع على ثقافة الشعبين؛ فازدادت إبداعاتهم غنىً وارتقاء.
وربما أحدثت بعض الكتب المترجمة حركة أدبية عظيمة الأشكال والأفكار والموضوعات والمؤلفات، علماً أن كثيراً من الأدباء والمؤرخين والفقهاء واللغويين صاروا من أصحاب اللسانين العربي والفارسي، ألفوا فيهما ونظموا الأشعار بمثل ما ترجموا منهما.
 فابن سينا ـ مثلاً ـ ألّف كتباً بالعربية منها (الشفاء والقانون والإشارات) وكتباً بالفارسية وله شعر عربي كقصيدة (النفس) واثنتان وعشرون قطعة من الشعر الفارسي.
 وأبو الريحان البيروني كتب نسختين من كتابه (التفهيم لأوائل صناعة التنجيم) واحدة بالعربية والأخرى بالفارسية.
 أما الشاعر الصوفي الشهير سعدي الشيرازي (ت 691هـ/1291م) فله أشعار بالفارسية، وقصائد بالعربية منها قصيدته في رثاء بغداد على إثر تخريبها بيد المغول سنة (656هـ/1258م)[1].‏
ورباعيات الخيام لأبي الفتح غياث الدين عمر بن إبراهيم الخيام النيسابوري (430- 526هـ/1038 – 1131م) التي نظمها بالفارسية، فضلاً عما قيل: إن لـه أشعاراً حسنة بالعربية والفارسية؛ وكذلك كتب بالعربية (مقالة في الجبر والمقابلة) و(رسالة في الوجود) وغيرها.[2]
وإذا كنا سنأتي على ذكر كتاب آخر من الأشكال الأدبية المشتركة بين الأدبين العربي والفارسي فإنني سأشير ـ بإيجاز ـ إلى كتاب أحدث حركة التقاء كبرى بينهما وهو كتاب (كليلة ودمنة) لعبد الله بن المقفع (106- 142هـ/724 – 759م). وهو كتاب مشهور بين الخاصة والعامة.  وهو كتاب فريد بأجمل الترجمة الفنية مع أوصاف الكاملة .  
أما (كليلة ودمنة) فهو أشهر الكتب التي ترجمها ابن المقفع سنة (133هـ/749م) وكان رأس المترجمين العشرة؛
 فضلاً عن أنه ألّف في العربية عدداً من الكتب مثل (الأدب الصغير، والأدب الكبير، واليتيمة في الرسائل)
 كما ترجم من الفارسية عدداً آخر لم يصل إلينا منها شيء حتى الآن، ومنها (خُداي نامه في السِّير، وآيين نامه: القواعد والرسوم، والتاج في سيرة أنوشروان)[3].‏
ويعد كتاب (كليلة ودمنة) أحد الكتب التي قرَّبت ما بين الأدبين العربي والفارسي في الوقت الذي أحدث فيهما حركة فنية وفكرية.
وكان ابن المقفع قد ترجمه عن الفارسية القديمة (الفهلوية) التي نقل إليها من اللغة الهندية؛
 ولما ضاع الأصل الفارسي والهندي صارت الترجمة العربية أصلاً ولاسيما أن ابن المقفع أضاف إليها بعض الأبواب....،
وأشهر من ترجمها بعد ذلك إلى الفارسية أبو المعاني نصر الله (سنة 539هـ/1144م) ثم تُرجمت غير مرّة إلى الفارسية وغيرها من اللغات العالمية[4].‏
وإذا كانت قصص مشهد الحيوان معروفة في الشعر الجاهلي فإن السرد القصصي لكليلة ودمنة يختلف كل الاختلاف عما هو في مشاهد الحيوان تلك، فضلاً عن أن ابن المقفع تصرّف في أسلوب السرد ومعانيه بما يتوافق والذوق العربي.
ومن ثم فإن كثيراً من الأدباء واللغويين أخذوا ينقلون منها حكايات وأمثالاً كما نجده في (عيون الأخبار) لابن قتيبة، أو يؤلفون على منوالها كما حُكي عن كتاب (القائف) للمعري الذي ما زال مفقوداً، وكتاب ابن الهبّارية في الشعر (الصادح والباغم) الذي طُبع مرات عدة، وغيرهما[5].‏
وإذا كان الدكتور طه حسين قد أعجب بجودة عبارات كليلة ودمنة، فإن كثيراً من الأدباء احتذوا حذو ابن المقفع في الكتابة والأساليب وغزارة المعاني، واقتباس الأمثال والحكم من أفواه البهائم والطير ومن ثم نسجها في أشكال شعرية ونثرية... فأبان بن عبد الحميد اللاحقي نظم كليلة ودمنة شعراً احد الشعراء الدولة العباسية المتوفي سنة 200 ه. ـولكن منظومته ضاعت. ونظمها عدد آخر مثل سهل بن نوبخت عام (165هـ/781م) [6].‏
وفي هذا المقام لا ننسى أن نشير إلى أمير الشعراء أحمد شوقي الذي كتب خمسين قطعة على لسان الحيوان تؤكد تأثره بحكايات (كليلة ودمنة) وأفكارها كقصيدته (الثعلب والديك)، ومنها تظاهرُ الثعلب بالتقوى والصلاح، وتخلّيه عن كل مكائده وفتكه بالطيور[7]. وإذا كانت الخرافات والأساطير إحدى نقاط الالتقاء بين العرب والإيرانيين فإن كليلة ودمنة جمعت هذا إلى جوانب أخرى.
ولم تقتصر العلاقة بين الأدبين العربي والفارسي على الأدب القديم وإنما امتدت إلى الأدب الحديث. سنري أمثلة كثيرة في هذا المجال.



[1] انظر دراسات في الأدب المقارن 84- 86.
[2] انظر كشف اللثام عن رباعيات الخيام 9- 11 و27 و64
[3] انظر ابن المقفع بين حضارتين 65- 165 والظواهر المسرحية عند العرب 391 وما بعدها.‏
[4] انظر دراسات في الأدب المقارن 172 وما بعدها و194 وما بعدها والأدب المقارن 183- 187.‏

[5] انظر دراسات في الأدب المقارن 186- 192
[6] انظر المرجع السابق 178 و187
[7] انظر المرجع السابق 205 و207

No comments:

Post a Comment

Arabic story for LP

اَنَا اَقُصُ اَمَامَكُمْ قِصِّةً عَنِ دَارِسَةُ الاَمِينَة اِسْمُهَا فَاطِمَة مَاتَ اَبُوهَا قَبْلَ سَنَوَاتٍ وَكَانَتْ تَعِيشُ مَعَ اُمِّهَ...