Saturday 31 December 2016

ما أول معجم عصريّ في اللغة العربية؟

ما أول
معجم عصريّ في اللغة العربية؟
أول معجم عصريّ في اللغة العربية هو )محيط المحيط( لبطرس البستانيّ،
الذي فرغ من تأليفه عام 1286 ه/ 1869 م، وقد اتخذ من )القاموس
المحيط( للفيروزآبادي أساساً لمادة معجمه) 1(، وأضاف إليه مفردات من
معاجم أخرى، وكثيراً من المفردات والمعاني المولَّدة، والمسيحية، والعامية،
والمصطلحات العلمية والفلسفية، وحَذَف أسماء الأماكن، والأشخاص،
والقبائل... وغيرها.
أما معجم )المنجد في اللغة والأعلام( وهو من تأليف لويس معلوف؛
فقد صدر عام 1908 م، واختصر فيه )محيط المحيط( وسار على نظامه،
ولكنَّه تميَّز عنه بحسن إخراجه وسهولة استعماله، مع الزِّيادات في ملاحقه،
) 1( ينظر السؤال ) 92 (: من أبرز العلماء غير العرب الذين خدموا اللغة العربية في الماضي
وقد جعله معجماً مدرسياًّ يشبه نظائره في اللغات الأخرى. ولكن يُؤخذ
عليه الأخطاء التي وقع فيها عند معالجة بعض الموضوعات المتعلقة بالدين
الإسلامي، وقد لقي هذا المعجم انتشاراً كبيراً.

Friday 30 December 2016

الباب الرابع السيرة الذاتية في مصر

الباب الرابع
السيرة الذاتية في مصر
الفصل الأول: أهمية السيرة الذاتية وعيوبها
السيرة  الذاتية هي أن يكتب المرء بنفسه تاريخ نفسه  فيسجل حوادثه وأخباره، ويسرد أعماله وآثاره، ويذكر أيام طفولته وشبابه وكهولته وما جرى له فيها من أحداث تعظم  تبعا لأهميته، وهي مظنة الإغراق والمغالاة غاليا، وشرك للحديث عن النفس والزهو بها وغلاء  قيمتها، ولكنها إذا اعتدلت كانت أصدق ما يكتب عن رجل أكثره انطباقا على حياته،  لأنها مجال تخمين أو افتراض،  ولكنها مجال تحقيق وتثبت، وبهذا يصح في المترجم الذاتي مضرب المثل: قطعت جهيزة قول كل خطيب أما السيرة  الذاتية لها  فوائد كثيرة: منها:  
        كتابة السيرة الذاتية يكتبها الأدباء عن أنفسهم وحياتهم تكون أحيانا شاملة، أو تعنى بفترة من فترات الحياة أو قطاعا من قطاعات الفكر. كما فعل طه حسين وأحمد أمين وسلامة موسى وغيرهم. وقد اجمع أغلب هذه السيرة الذاتية على تصوير مراحل الطفولة والشباب، غير أن طابع كل كاتب كان واضحا في طريقة العرض وتوسيع مجال الحديث عن النفس، وتعطي هذه الترجمة الذاتية صورة الحزن والفقر والانقباض والألم، هؤلاء الكتاب نشئوا في بيئات فقيرة. وتطلعوا منذ صباهم إلى المجد فضاقوا بهذه الحياة. مرت بهم أزمات الخروج من البيئة الضيقة أو الريفية إلى البيئة المثقفة وكانت مقومات وتحديات. وتعطي "الأيام" طابع الحزن والقلق والواضع في الحياة طه حسين، ولكنها وتعطي أيضا صورة القدرة على المقاومة والمواجهة للتحديات. ولما كان الكتاب مكفوفا فقد كانت طريقة تصويره للأماكن والأشياء مختلفة عن طريقة المبصرين. فهو يصف أزير الماء حينما يوضع فوق النار وعند اشتداد الفلين وأصوات العربات، ورائحة الطعام، وأصوات اللاعق وهي تضرب في أطراف الأطباق أو الأكواب صوت الصاعدين على درجات السلم. مع ذلك، يبين أحوال البيئة التي نشئوا وتعليمهم ووظائفهم ورحلاتهم وغيرها. أما السيرة الذاتية فمن أقدم من نعرف ممن عالجوها الشاعر عمارة اليمن الذي كان مواليا للفاطميين في أخريات دولتهم في القرن السادس الهجري فقد تحدث عن نفسه في كتابه "النكت العصرية"[140].
        أما بعض المذكرات واليوميات ما عندنا منها مذكرات الأمير العربي أسامة ابن منقذ المتوفى سنة 584 التي أودعها كتابه "الاعتبار" فهي تصور لنا سيرته وأعماله وفروسيته، كما تصور لنا طائفة من صور المجتمع الإسلامي في عصر الأيوبيين، وأقدم ما وصل إلينا من المذكرات هو ما كتبه الأمير عبد الله بن بلقيى آخر ملوك بني زيري بغرناطة المتوفى سنة 483هـ تحت عنوان "التبيان عن الحادثة الكائنة بدولة بين زيري في غرناطة "وهي تصور أحداث يوسف ابن شاش فين العرابطي بالأندلس، وكتاب "النكت العصرية" تصور لنا حياة داعية من دعاة الفاطميين وأنصار المذهب الإسماعيلي.
        مما يذكر أن هذه المرحلة التي كتبتها أقلام ثلاثة، هي الرافعي والعقاد وهيكل (في مذكراته السياسية) تكشف عن مدى اختلاف الكتاب الثلاثة في النظر إليها وإلى وقائعها ويرجع هذا إلى أن كلا منهم قد نقل وجهة نظره، وصور الجانب المتصل بالحزب أو الهيئة التي كان متصلا بها. وكتاب "خطط الشام لمحمد كرد على التي صدرت عام 1925 في ستة أجزاء وكتاب "الخطط التوفيقية" لعلى مبارك باشا (1823-1893) هما تصورات تاريخهما وتاريخ شام والسودان. أما أحمد شفيق وحافظ عوض وعبد الله نديم وعبد الرحمن الرافعي وهيكل ولطفي السيد العقاد وعبد العزيز فهمي ومحمد نجيب وأنور السادات والشيخ محمد عبده وإبراهيم فوزي باشا.... هم سجلوا حياتهم السياسية في ذلك الوقت.
        وبعض الأدباء يكشف لنا أحوال الاجتماعية في سيرتهم الذاتية في ذلك الوقت. منها، كتاب ‘الأيام’ لطه حسين وكتاب ‘سجن العمر’ لتوفيق الحكيم وكتاب ‘أنا’ للعقاد وكتاب ‘حياتي’ لأحمد أمين كتاب ‘طفل من القرية’ لسيد قطب وغيرها.
        وهذه الأدباء ترسم لنا صورة اجتماعهم مع الجهل والتخلف والخرافات وقت التعليم والفقر والحرمان والطلاق وسيطر الإنجليزية والفرنسية وفسادهم. وصورة أسرية في مصر، وحياة الكتاب والجامعة الأزهر وكيف كانت العلاقة بين المعلم والمتعلم، وغيرها. هذه الأدباء رفعوا أصواتهم ضد النظام الفاسد: يقول توفيق حكيم عن الطلاق:
        "طول طفولتي أنا السمع من والدتي وجدتي مأساة الطلاق وهذه وكانها مأساة مقتل الحسين في كربلاء[141]".


الفصل الثاني:  عيوب السيرة الذاتية
        هل يستطيع إنسان أن يكتب عن نفسه ما لا يود أن يراه الناس منه ويعرفوه عنه؟ وهل يستطيع إنسان أن يبدى نفسه للناس على سجيته وفي مبادله من غير أن يحاول ترميهم العيوب التي لا يحب أن يطلع غيره عليها؟ وهل تستطيع الترجمة الذاتية مثلا أن تسعفنا بها نود استحضاره من ذكريات الطفولة والمراهقة ؟ وإذا  كان النسيان غير المقصود يفوت علينا – حين نترجم حياة أنفسنا – ذكريات ماضي بعيد، فأن هناك نسيانا مقصودا متعمدا حين يمنعنا الخجل والاستحياء من ذكر صغائر في حياتنا قد لا تشرف الصفحة التي نريدها ناصعة البياض. ويرجع الدافع في كتابة التراجم الذاتية عند كتابها إلى عدة عوامل: فبعض هذه التراجم كتب تحت تأثير الأزمة النفسية، أو تسجيل الذكريات الشابة بعد ارتفاع السن، أو شغل أوقات الفراغ بكتابة خفيفة، بين الكتابات العقلية أو السياسية.
        وربما ذكر الكاتب بعض وقائع حياته وأخفى عن وقائع أخرى، وربما ذكر الحق، وأخفى بعض الحق، وليس من المعتقد أن يكتب الكاتب في ترجمته الذاتية كل شيء، ذلك لأن كتابة التراجم الذاتية يرتبط دائما بفكرة إذاعتها ونشرها على الناس. ومن العسير أن يقول الكاتب عن نفسه كل شيء أو أن يعرى نفسه بحيث يذكر مساوئها أو أهواءها على نحو واضح صريح. وقد أشار أحمد أمين في مقدمة كتابه "حياتي" إلى هذا المعنى فقال : ‘لم أذكر كل الحق ولكني لم أذكر أيضا إلا الحق...[142] .
        ويبدو أنه معا أجمع عليه الباحثون أنه من الاستحالة على المترجم نفسه أن يقدم صورة حقيقية عن حياته. فالإنسان بطبعه يرفض فكرة الكشف الكامل عن حياته وأهوائه وأخطائه. فإذا كشف الكاتب عن جانب من هذه الجوانب فإنما يستهدف تحقيق غاية في الدفاع عن نفسه أو تغطية جانب من النقص في الناحية الأخرى.
        هذا فضلا عن الذاكرة نفسها التي لا تستطيع أن تحتفظ طويلا بالصور التي تسمر عليها في نفس الحالة النفسية أو تحت تأثير نفس الدوافع. فأن تحول حياة الإنسان من حال إلى حال يؤثر في تكوين ذكرياته بل أن صور الألم والحرمان قد تتبدل مع الزمن وتأخذ طابعا آخر تخف فيه حدة الواقع.
        والعمل الفني في كتابة التراجم يتطلب أن يتحرر الكاتب من سرد الوقائع مع إضفاء بعض الظلال والأضواء، مع تأكيد الذاتي والحرص على أعطاء صورة البطولة.
        ويمكن القول بأن الشدياق وطه حسين قد استطاعا في جرأة أن يسجلا كثيرا من وقائع حياتهما المضطربة، دون خجل أو خشية الاتهام بالنقص فكان الشدياق جريئا في ترجمته الذاتية (الساق على الساق) فقد أعطى نفسه الحرية الكاملة، في تصوير حياته والجهر بالفصائل الجنسية مع سخرية ومجون واضح في عرضه لمختلف جوانب العادات والصور وكانت سخريته من رجال الدين بالغة، كما أنتقد كثيرا من عادات الغربيين والشرقيين على السواء.
        أما طه حسين فقد صور جوانب يخفيها كثير من الناس، أغلبها يتصل بعلته وأثرها في تصرفاته مما كان يضحك بعض إخوته. من ذلك وصفه لطعامه وكيف رفع اللقمة إلى فمه ذات مرة بيديه الاثنين فأضحك من حوله، وكان موضع سخرية، مما حمله على أن يتناول طعامه من بعد بمفرده. وقد اعترف طه بأنه كان خجولا يجلس من أبيه ومن سمار أبيه وكان يرى الدنيا بيديه فيبعث بالنعال الموضوعة حول دكه معلم الأطفال ثم يعن في تقليبها واختيارها حتى يعرف عدد ما فيها من خروق ورقوع.
        وأن لكل سيرة عيبا واضحا هو الذاتية، إذ يشق على أذكى إنسان أن يحلل نفسه ويعرض لتاريخه على نحو موضوعي، ومن عيوب السيرة الذاتية أن مؤلفها لا يبوح بكل ما يعرف، خاصة إذا كان البوح متصلا بأشخاص لا يزالون أحياء.
        أن الكاتب مهما بلغ من المقدرة لا يحسن التحليل لنفسه لأن كثيرا مما يراء غيره يعمى هو الذاتية عنه.
        وهو لفرط اهتمامه بالجانب الفكري والثقافي من حياته يرى أن العوامل التي تكون الشخصية هي ليست المدرسة أو العائلة فقط، ولكنها أيضا الشارع الذي تختلط بأبنائه، والصحف والكتب التي تقرؤها، والعمل الذي ترتزق منه.
        ويكره بعض الكتاب البوح والاعتراف، يرى العقاد أن هذا اللون من الكتابة من أدب الضعف، غير أن الفصول التي نشرت في الهلال ومقالاته "حياة قلم" يمكن أن توصف بأنها من الترجمة الذاتية و منها : اعترافاتي، أبي، أمي، كنت شيخا، وحي الخمسين، وحي الستين. وكتابه (في بيتي) أيضا يكشف عن جوانب كثيرة من حياته ويترجم له.
        ومن العسير أن يترجم الإنسان لنفسه، فالعين لا ترى نفسها إلا بمرآة، والشيء إذا زاد قربه صعبت رؤيته، والنفس لا ترى شخصها إلا في قول عدو أو صديق.
        ومزاج العقاد أقرب إلى الحزن والانقباض، ولعل هذا المزاح الحزين هو الذي أغراه بالفكاهة التي يراها حاجة نفسية وضرورة لازمة، ولعله قد استطاع أن يفضي بكثير عن طريق الشعر مما لم يحوجه إلى كتابه (سيرة حياة)، والعقاد ممن يؤمنون بالمذهب النفس في مباحث الفكر، ولعلمه وجد في تصوير كثير من الأعلام الذين كتب عنهم مخرجا لمشاعره وتصويرا لنفسيته كما رأى من تشابه وتلاق في الصورة أو الرأي.
        فهناك إجماع على أنه من الصحب أن يصور الكاتب حياته أو يترجم لنفسه.
        ويقول ميخائيل نعيمة في كتابه (سبعون): " ليس ما أنكشف لك من حياتي كان كل ما في حياتي، أن الذي أنكشف فيه الرغوة وفيه الصريح[143] ".
        وإذا كانت التراجم الذاتية لا تستطيع أن وتعطي كل شيء عن حياة كاتبها فلا أقل من أنها تلقى أضواء على هذه الحياة وتكشف عن الطوايا والغابات. قد ظهر ألوان كثيرة من الفنون الأديبة التي عالجها الأدب العربي في مختلف أقطاره، وعصوره منها : الشعر، والقصة والمسرحية، والرواية وغيرها. ثم جاء في كل فنون فروعا كثرة أو أجزاء كثرة. قد ورد في الفن الشعر الغزل، الرثاء والوصف والمدح والفخر والحماسة والهجاء والموشحات والأزجال والزهد، والتصوف وغيرها وفي تأليف المسرح التمثيلي (الفاجعة والمأساة الملهاة) والشعر التمثيلي وغيرها. وفي الفن التعليمي : النقد، والخطب والمواعظ، والحكم والأمثال وغيرها. وفي الفن القصص الملحمة، والحكاية والأقصوصة والمقامة والتراجم والسير والرحلات والترجمة الذاتية وغيرها:      
        اليوم صارت الترجمة الذاتية فنا مستقلا في الأدب العربي الحديث فكثرة دراسة تحليلية ودراسة نقدية ودراسة مقارنة وغيرها، لذلك نستطيع أن نفهم عن السيرة الذاتية ومكانتها في الأدب العربي الحديث والقديم. هناك بعض دراسات عن السيرة الذاتية في الأدب العربي لتوسيع معرفتنا في هذا الموضوع.
الفصل الثالث:  السيرة الذاتية العربية في دراسة بعض العباقرة العرب والمستشرقين
ناقش كثير من الكتاب والأدباء والعلماء عن هذا الموضوع مثل"الترجمة الشخصية"  لدكتور شوقي الضيف و" أضواء على الأدب العربي المعاصر لأنور الجندي وكتاب مذكرات السياسيين و الزعماء في مصر  لمحمد رمضان وكتاب الأدب وفنونه لإسماعيل عز الدين وكتاب تطور الأساليب النثرية لأنيس المقدسي وكتاب السيرة الذاتية لأمير أرسلان وكتاب السيرة الذاتية:دراسة نقدية لعبد الستار وكتاب الترجمة الذاتية فى لأدب العربي الحديث ليحي إبراهيم عبد الديم وكتاب فن السيرة لعباس إحسان وكتاب الموت والعبقرية لعبد الرحمن بدوى وكتاب و كتاب الترجمة الشخصية لمحمد عبد الغنى الحسن وغيرهم. ولن نختم هذا الفصل  عن التراجم الذاتية  في الأدب العربي دون الإشارة  إلى مقال جيد في هذا  الموضوع كتبه المستشرق  الألماني  كارل بروكلمان  سنة 1952 م ونشر في كتاب " المنتقي  من دراسات المستشرقين" ، الذي  نشره الدكتور  صلاح الدين المنجد سنة 1955 م ، وعنوان المقال أو  البحث :  " ما صنف علماء العرب في أحوال أنفسهم " . وإذا  كان بروكلمان قد وفي الموضوع حقه فيما يتصل بالمؤلفين  القدامى . فإنه  لم يذكر  من المحدثين  إلا محمد  كرد على في مذكراته ، وطه حسين في أيامه   ، على أنه قد جيد من التراجم  الذاتية  بعد بحث بروكلمان  ما حرصنا على أن نذكره  فيما سبق من سطور . ومن البحوث في التراجم الذاتية  في الأدب العربي ما كتبه المستشرق فرانتز روزنتال بعنوان ( التراجمالذاتية  للمؤلفين  العرب  ) وهو بحث نشر في مجلة   Orientalia    سنة 1935 م  ، ونشر ملخصا في كتاب " الموت والعبقرية " الذي  أصدره  عبد الرحمن بدوي سنة 1945 م . [144]
 على أن الإنصاف  يقتضينا أن نشير في هذا  المقام  إلى ثبت طيب  واف صنعه  الأستاذ  انور الجندي  عن " التراجم الذاتية  في الأدب  العربي  المعاصر " ونشرته مجلة " الأديب " البيروتية في الجزء الخامس الذي صدر في شهر ما يو   سنة 1968 م ، وكان هذا البحث  جوابا عن سؤال  من الأستاذ  هارولد فونك . ولذالك لهذه الدراسة أهمية كبرى فى الأدب العربى الحديث.
|"الترجمة الشخصية" للدكتور شوقي ضيف
                هو من كبار الناقدين في الأدب العربي ولد في مصر وحصل على شهادة الليسانس في الآداب   من كلية الآداب  من جامعة القاهرة عام 1935م. وحصل منها أيضا  على الماجستير والدكتوراه عام 1942م. عمل بالتدريس في جامعة القاهرة حتى إحالته في المعاش عام 1970م، كرئيس لقسم اللغة العربية في كلية الآداب   ثم عمل لمدة عامين بالتدريس في الجامعة الأردنية في عمان كما عمل بجامعة الكويت أستاذا بقسم اللغة العربية لمدة أربعة أعوام. حصل على جائزة الأدب التشجيعية والتقديرية في مصر، كان عضو المجمع اللغة العربية في القاهرة، واختارته جامعات عربية وإسلامية وعالمية عضوا محكما في اللجان العلمية لترقية الأساتذة في الأدب العربي ومنح جائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي ومنح 1952م. ومن كتبه القيمة ‘تاريخ الأدب العربي’ عن العصر الجاهلي والعصر الإسلامي والعصر العباس الأول والعصر العباس الثاني وعصر الدول الإمارات في كتب مختلفة وألف كتاب فصول في الشعر ونقده ودراسات في الشعر العربي المعاصر والبلاغة تطور وتاريخ. والفن ومذاهبه في النثر العربي، والفن ومذاهب في الشعر العربي،  وله كثير من الكتب في موضوعات متنوعة. [145]
        يعالج شوقي ضيف في كتابه "الرحلات" عن جغرافية المالك والممالك لابن حوقل، وكتاب أحسن التقاسيم للمقدسي وكتاب نزهة المشتاق للإدريسي، وعن رحلة التاجر سليمان ورحلة ابن بطوطة ورحلة ابن جبير وغيرها.
"السيرة الذاتية في الأدب العربي"  لديفيت رينولد الأمريكي
Interpreting the self :Autobiography in the Arabic Literary TraditionDwight. F. Reynolds.(Associate professor of Arabic language and literature in the Department of Religious Studies at the University of California, Santa Barhara.)
        يعالج دفيت رينولد في كتابه عن السيرة الذاتية ونشأتها وتعريفها وأقسامها وتطورها في الأدب العربي والأدب العالمي .
        يبحث في كتابه عن تعريفات السيرة الذاتية مثل : الترجمة الذاتية، والسيرة الذاتية، والترجمة الشخصية، والسيرة الشخصية، والتراجم والسيرة، والمذكرات، واليوميات، والرسائل وأدب الوجدانيات وغيرها.
        ويداول أيضا عن تاريخ السيرة الذاتية في الأدب العربي القديم والحديث والمقارنة بيت السيرة الذاتية في الأدب العربي والأدب العالمي، ولكتب السيرة الذاتية في عصور مختلفة مثل: كتاب لابن إسحاق، والترمذي، وعماد الدين الكاتب الأصفهاني، وعبد الطيف البغدادي، وابن الأديم، وأبرشامة، وجلال الدين السيوطي، وعلى مبارك وغيرهم.
               " السيرة الذاتية في الأدب العربي" للدكتور روبن أوسد"
Writing the self: Auto biographical writing in Modern Arabic Literature. Dr. Robin Ostle, (University lecture in Modern Arabic of St. John’s College).
        يداول روبن أوسدل عن السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث والرحلات واليوميات والرسائل في الأدب العربي القديم والحديث ويقارن عن السيرة الذاتية في الأدب العالمي وبين الأدب العربي من مصر وفلسطين والعراق ولبنان وغيرها. يحاول أن يبحث كثير من صفحات من الأدباء النساء اللاتي  كتبت السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث مثل : بنت الشاطئ وهدى الشهراوي وغيرهما.



" السيرة الذاتية في الأدب العربي" لتدرس روك
In My Childhood. A Study of Arabic Autobiography. By Tet 2 Rooke, August 1997, (Almgvist & Wiksell)
          يداول تدرس روك عن السيرة الذاتية وتطورها في الأدب العربي الحديث (منذ 1929-إلى -1988) من كتاب مصر وفلسطين وسوريا ولبنان وغيرها. يبحث فيه كثير من صفحات عن طه حسين وطفولته وكتاب "قصة حياة" لعبد القادر المازني وكتاب "سجن العمر" لتوفيق الحكيم وكتاب "على الجسر" لبنت الشاطئ وغيرها. يحاول أن يقول تعريفات السيرة الذاتية والمذكرات واليوميات والرسائل في أسلوبها المختلفة،
" أضواء على الأدب العربي المعاصر" لأنور الجندي
                ولد أنور الجندي عام 1917م بمدينة ديروط التابعة لمركز أسيوط بصعيد مصر، وكان جده لوالدته قاضيا شرعيا يشتغل بتحقيق التراث، ووالده يشتغل بتجارة الأقطان، إلى جانب حفاوته بالثقافة  الإسلامية ومتابعة الأحداث الوطنية والعالمية. وقد حفظ الجندي القرآن الكريم في كتاب القرية، وبصرت له ظروف والده التجارية أن يعمل وهو صغير بينك مصر بعد أن درس التجارة، ثم واصل دراسته الجامعية في المساء حيث درس الاقتصاد والمصارف وإدارة الأعمال، وتخرج في الجامعة الأمريكية مجيدا للغة الإنجليزية التي درسها تخصيصا ليستطيع متابعة ما يثار من شبهات حول الإسلام من الشرق والغرب ويقوم بالرد السديد عليها.     ورشح الجندي لجائزة لدولة التقديرية عام 1960م ولنيل جائزة الملك فيصل العالمية، لكنه كان يرفض الجوائز هذه، وحين كانت بنته تمازحه وتقول له: يا أبى خذ الجائزة، وأعطها لي، كان يقول: أنا أعمل للحصول على الجائزة من الله مالك الملوك[146].
        ويتميز الجندي بغزارة فكره وكتاباته. ومن كتبه الأولى (اخرجوا من بلادنا) الذي يخاطب فيه الإنجليز المحتلين، وقد كان هذا الكتاب سببا في سجنه واعتقاله لعدة أيام في عهد الملك فاروق، ثم أخرج عنه. وللجندي كتب كثيرة تقارب المائة كتاب، بعضها موسوعات، مثل كتابه: مقدمات المناهج والعلوم، الذي نشرته دار الأنصار بالقاهرة وبلغت مجلداته عشرة من القطع الكبير، وموسوعته (في دائرة الضوء) التي بلغت الخمسين جزءا.
        أما عن الاجتماعية قد تزوج أنور الجندي من ابنة عمه السيدة نفيسة عبد المالك الجندي، ورزقه الله ببنت واحدة هي "فائزة"، التي حصلت على ليسانس الدراسات الإسلامية من جامعة الأزهر عام 1969م.
        وكان منزله ضيقا مشغولا بالكتب في كل مكان. وكان يفرغ كل وقته للعلم والعمل والزهد والتقرب إلى الله، ولم تكن تشغله المدائح والمجاملات التي تكتب عنه في بعض الصحف.
        يداول أنور الجندي في كتابه "أضواء على الأدب العربي المعاصر" صفحات كثيرة عن السيرة الذاتية (ص : 66 إلى ص: 75) وكتابة التاريخ (ص:40إلى ص: 55) وأدب الوحدانيات (ص:56 إلى ص: 65) وأدب الرحلة (ص: 76 إلى ص: 93) وأدب الرسائل (ص:94 إلى ص: 106) والإسلاميات (ص: 107 إلى ص: 114) وأدب المذكرات (ص: 115 إلى ص: 130).
        يقول أنور الجندي عن السيرة الذاتية وتطورها وأسلوبها: " وقد كتب فصولا من التراجم الذاتية ضمنها بعض كتبه أو ظلت في بطون المجلات والصحف ولعل أقدم هذه الترجمات هي (الساق على الساق) للشدياق، فقد صدرت مطبوعة عام 1832م. وكتب جمال الدين حياته بقلمه، نشرتها مجلة الجامعة عام 1906. وللشيخ محمد عبده ترجمة منثورة في كتب رشيد رضا عنه وكتب أحمد شوقي سيرة حياته نشرها في مقدمة ديوانه الأول[147]".
        ومع ذلك أنه يعالج عن السيرة الذاتية مع أشكالها المختلفة في هذا الكتاب: وله مقالة قيمة بعنوان "التراجم الذاتية في الأدب العربي المعاصر" نشرته مجلة " الأديب" في الجزء الخامس الذي صدر في شهر مايو سنة 1968. وكان هذا البحث جوابا عن سؤال من  الأستاذ هارو لدفونك.
"مذكرات السياسيين والزعماء في مصر". لمحمد رمضان
        يبحث محمد رمضان في كتابه "مذكرات السياسيين والزعماء في مصر" عن السيرة الذاتية التي ظهرت بين 1891 إلى 1981م من الزعماء السياسية في مصر. يداول فيه حياة محمد نجيب وأنور السادات (جائزة نوبل للسلام – 1978) وجهات السادات وعلى مبارك وإبراهيم فوزي باشا، ورشيد رضا، وهدى الشهراوي، وأبابكر بدري، وأحمد عرابي، وسلامة موسى، وعثمان، أحمد أمين، ومحمد عبده، ومحمد فارض، والسيد قطب وغيره
الفصل الرابع:  كتب السيرة الذاتية في مصر
"سجن العمر" لتوفيق الحكيم
        ولد توفيق الحكيم في سنة 1898 في الإسكندرية. وقد حطي الحكيم بمكانة متميزة على خريطة تطور الكتابة الإبداعية العربية، فهو كاتب اولى الروايات العربية "عودة الروح" وهو –أيضا – كاتب أول مسرحية عربية ناضجة بمعايير النقد الحديث" أهل الكهف". كان توفيق الحكيم قد كتب أولى مسرحياته في سن مبكرة بعنوان "الضيف الثقيل" وذلك أبان ثورة ضد الاحتلال البريطاني.
        وصف الحكيم بأنه مؤسس المسرح المصري المعاصر، وبأنه ممن جعل المرح فى العالم العربي جنسا أديبا مرموقا. وقد اتسمت لغة أعماله المسرحية باليسر والمرونة، وحرص على ان يبرز فيها روح اللهجة العامية المصرية وبعض تركيباتها خلال دراسته الحرة فى باريس. انشغل توفيق الحكيم بالتعرف على خصوصيات ثقافته العربية العصرية. وعلى ما يميزها عن الثقافة الغربية التي كان آنذاك – في خضم طوفانها. وقد عبر هذا الانشغال فى روايته "عودة الروح" و "عصفور من الشرق" و "مسرحيتيه ايزيس" و "الصفقة".

الشعب وتوفيق الحكيم
        آمن الحكيم بقدرة الشعب وبقوة بصيرته، فكتب كتابه "تأملات فى السياسية" يقول:
        "إن هذا الشعب يعلم أشياء كثيرة، لاكنه يعلمها بقبله لا بعقله. إن الحكمة العليا في دمه ولا يعلم، والقوة في نفسه ولا يعلم: إن توفيق الحكيم فى أعماله يلجأ إلى بصيرته وقلبه وموهبته الخلافة، وإلى قدرته على المحاكاة وخلق الصور والشخصيات والعواقف اكثر مما يلجأ إلى النظريات ومناهج البحث والتحليل، حتى وان كانت كتاباته – فى المجمدل – تتصدى لموضوعات كبرى مثل محاولة تفسير وضع الانسان فى سياق الكون، والزمان، والمكان، والمجتمع، كما تناولت كتابات الحكيم مفاهيم الجماعة والفرد والقانون والسلطة والعدل والحب. وأكد مرارا فى هذه الكتابات على مفاهيم الحرية الفردية وعلاقة المواطن بالسلطة وبالمجتمع.
المناصب المختلفة
        عمل توفيق الحكيم مديرا لدار الكتب القومية، ومندوبا دائما لبلاده، فى منظمة اليونسكو، ورئيس كتاب مصر. وكاتبا فى جريدة "الاهرام". ومنذ الاربعينايات، دأب الجكيم على نشر اعماله المسرحية ومقالاته الفكرية فى الصحف المصرية قبل نشرها فى كتب.
        ترك توفيق الحكيم 100 مسرحية و 62 كتابا، ترجم منها الكثير إلى عدد من اللغات الحية، ومن اهم ما ترجم له "أهل الكهف" و "شهرزاد" و "الملك اوديب" و "السلطان الحائر" و "يا طالع شجرة" و "شمس النهار".
سجن العمر
        له كتاب فى سيرته الذاتية، اسمه "سجن العمر" تناول توفيق الحكيم فى كتابه "سجن العمر" طفولته ودراسته، وغيرها، وهذا الكتاب يلقى الضوء على الحقائق التاريخية السائدة في مصر حين ذاك:
        يعالج توفيق الحكيم الحياة المصرية يقول :
        "أما والدتي فكانت الابنة الصغرى. بينها وبين أختها الكبرى ستة أولاد ماتوا كلهم قبل الوضع ولهذا الموت الملح سر فى رأى جدتي، أنها تمزو ذلك إلى "جنية" تحت الأرض اسمها، "القطاية"، تظهر احيانا فى صورة قطة سوداء...... وفى ذات ليلة ظهرت أمامها ساعة العشاء، وكانت تأكل الليلة ما حملت مرة الاوشعرت كان لطمة تصيب بطنها فيسقط الحمل لتوه..... إلى ان جاء الحمل السابع، فنصحها الناصحون أن تأتى بمنجم معروف وقتئة اسمه، ابو عجليلة" ليحجها بالاحجبة إلى تدرا عنها السوء .... فجاءت به وحجها بسبعة احجبة، وعاشت والدتي .... كانت هذه الجدة طيبة القلب هادئة الطبع، هكذا بدت لى عندما أخذت اعى واشب والترعرع، لقد بدت لي على نقيض ابنتها الكبرى والصغرى، بما ركبتا عليه من طبع حاد، تثير اعصابهما اقل كلمة واتسفه حادث.. على انى لم اعرف الجدة الا فى كهولنها. أما في شبابها، فقد كانت – كما قبل لى – تمائ الابنتين فى الطبع الحاد والخلق الناري... ولم أرقط – منذ وعيت – الأختين على وفاة، كانت الخصومة والمقاطعة بنهما هى الحياة السادية..... أما لحظات الصلح فكانت عابرة كسحب الصيف، أو استثناء او هذوذا لايصدق امكان بقائه الطرفان .... وهل يمكن ان يقوم برد وسلام بين نار ونار .... لن انسى ابدا حيرة جدتى المسكينة بين ابنتها المتخاصعتين على الدوام. كان لاهم لها ولا شاغل إلا التوفيق بينها دون جدوى". [148]
        "كانت جدتي أيضا في أوج شبابها حين مات عنها زوجها. فتصحها الناصحون ان تقبل الافتران بزوج أختها المتوفاة...بذلك ترعى أولاد أختها كما ترعى اولادها فى كنف زوج. ليس بالغريب عنها ولا الدخيل على الأسرة.... رأى طيب ومعقول.... ولكن الذي حدث، كما يحدث فى كثير من الأحيان، هو أن الآراء الطيبة والمعقولة تنقلب إلى نقيضها عندما تتحول إلى واقع. فقد احتضنت جدتي أولادها هي، اى "البنتين" وخصتهما بكل رعاية وإعزاز، ونبذت واتصلت أولاد الأخت، وعاملتهم كما تعامل أولاد الاعادى، وكان الزوج يلحظ ذلك ويتغاضى...... وقد بلغ من تدليلها لابنتيها ان والدتي لم يكن يحلو لها ان تنصب "أرجوحتها" إلا على باب حجرة زوج أمها، وتظن معلقة بحبال الأرجوحة، تهزها هزا عنيفا حتى تنخلع مفاصل الباب، فإذا عاد الرجل إلى بيته متعبا مكدودا بعد عمل مرهق في البحر، ورأى ماحل بباب حجرته، وأبدى ملاحظة، هبت في وجهه البنت الصغيرة باكية وسارعت إلى أمها شاكية، فنقوم قيامة الأم لإغضابه "اليتيمة" ابنتها ..... أما الابنة اليتيمة فكانت تخرج لتوها إلى الحارة تتباكى وتصيح كذبا:
        "زوج أمي ضربني .... زوج أمي ضربني...
        فيمصمص الجيران بشفاههم قائلين مترحمين:
        :لاحول ولا قوة إلا بالله.. مسكينة البنت ... طبعا زوج أم وماذا ينتظر من زوج الأم ..... لست اعتقد مع ذلك أن والدى كان بخيلا بطبعه.. لأن البخل الحقيقي يجب أن يقترن بالرغبة فى كنز المال. وهو لم يكن لديه مال ليكنزه ، كان فقيرا، كل اعتماده على مرتبه البسيط فى ذلك الوقت.... حقا كان والده يمتلك فى صفط الملوك بمديرية البحيرة نحو ثمانين فدانا. لكن ما نفع ذلك والوالد له على ذمته أربع زوجات، عدا المطلقات. ولكل زوجة ومطلقة أولاد منه بلغوا فى مجموعهم عددا كبيرا... لقد كان يحكى أن المزواجين فى الريف، ما كان يعرف الواحد منهم أولاده أو يميز بعضهم من بعض... كان اذا جلس على المسطبة ومر أمامه صبى منهم أو غلام سأله : "انت ابن مين يا ولد" فيجيبه مثلا: "أنا ابن ستوتة أو خدوجة أهوانك أو خضره" وهلم جرا.. وما كانت هناك طريقة للفرا. الميز سوى ملابسا الاولاد. يكفى النظر إلى ثياب الولد فاذا كانت سابغة متقنة التفصيل فهم من اولاد زوجة جديدة. أما من كانت اثوابهم لاتغطى الركب فهم قطعا من أبناء القديمات.... فالوالد الكبير فى الريف كان يأتى أيام الاعياد بالقماش ويسلمه كله للجديدة المحظية على أنه للجميع، فتبدأ هى بنفسها وأولادها فتفصل منه ما شاءت ثم تلقى بما فضل للأخريات. [149]
        كان والدى ابن الزوجة الأولى ... وقد ماتت وهو صبى. ولست أعرف بالضبط تفصيلات طفولته، والظروف تربيته الأولى فقد كان بطبعه قليل الكلام كثير الكتمان فيما يتعلق بشخصه وشؤونه. كل ما سمعت فى هذا الصدد هو أن فكرة التعليم أو الاستمرار فيه كانت تلقى دائما معارضة من أكثر الإباء في الريف فى ذلك العهد. كانوا يريدون من أبنائهم البقاء في الأرض يزرعون غير أن والدي كان يصف أباء دائما بأنه رجل متنور وأنه جاور في الأزهر وزامل الشيخ محمد عبده في مبدا الدراسة ثم عاد إلى بلدته يزرع الأرض التى ورئها عن ابائه، وأنه لولا هذه الأقدنة التى الت اليه لاستمر فى العلم كما استمر زميله القديم العظيم... ولقد أدركت جدى هذا في أواخر حياته، فرأيت فيه شيخا جليلا مهيب الطلعة، يرتدى الجبة والقفطان والعمامة، ويضع على عينيه نظارة سميكة. كانت هيئته حقا أقرب إلى صورة الشيخ محمد عبده التى نعرفها جميعا.
        وكان والدى بارا بأبيه معظما له مدافعا عنه وعن تصرفاته. كأن يذر مثلا أنه لم يكثر من الزواج الا لعدم توفيقه إلى الزوجة المرتفعة إلى مداركه، وأنه كلماظن أنه وفق خاب أمله. واذا هو يخرج من خطأ، وهو مصر على تصحيح الأخطاء، لأن تصحيح الخطأ فضيلة. إلى أن اهتنى ووفق آخر الأمر إلى الزوجة المتمدنة فسكن اليها. وهو قول معقول.... ولقد كان والسدى يصف لى دائما ما كان يقتضيه حب العلم والتعليم يومئذ من جهد وجهاد.... فما كان يصل إلى آخر الشوط فيه الا المصر المتشبث. فقد كان هو وبعض اخوة له ممن أحبوا كتاب القرية وتعلقوا بالتعليم، يأتون فى كل عام دراسى جديد بمن يتشفع لهم لدى والدهم كى يتمروا عاما آخر.... فكان – مع رغبته فى تعليمهم – يقبل بشرط أن يكون العام المطلوب هو العام الأخير ثم يعودون بعده إلى الزراعة. فاذا مضى العام عادوا إلى الرجاء مرة أخرى مقسمين أنه الأخير... ويظل العام يلد العام إلى أن اجتازوا مراحل الدراسة التجهيزية، وأصبح والدى على أبواب مدرسة الحقوق. فسكت عنه والده وقد طمع فى أن يسرى أحد أولاده من الحكام.... كانوا شبابا يجاهد جهاد المستميت فى سبيل الحصول على التعليم. أهلهم ومجتمعهم وحكومتهم... وكانوا يقنعون بالقليل: بل بأقل القليل. كان والدي مع بعض إخوته وأقاربهم وزملائهم ممن نزحوا إلى القاهرة للطلب، يبعثون في سكن واحد .... ويطبخون لأنفسهم الطعام مرة كل أسبوع. هو يوم الجمعة: يوم العطلة...... أما فى بقية الأيام فكان طعامهم مما يجبل من السوق كالجبن أو الفول. لأن انهما كهم فى الدراسة كان يشغلهم عن اعداد طعام منزلى.... أما يوم الجمعة فهو يوم الترف والتنعم عندهم. يقبلون فيه على الطبخ. وماذا كانوا يطبخون... صنفا واحدا لا يتغير لرخصه. وحسبه فخرا ولذة وإمتاعا أنه مما يطبخ على نار... وهذا وحده يكفى : ان العدس".[150]
كما يقدم توفيق الحكيم " عودة الروح " ( كتبها عام 1927 ونشرها عام 1933 ) مسجلا جانبا من سيرته الذاتية في طفولته وصباه في إطار روائي ، ليعرض الظروف التي نشأ في ظلها وارهفت إحساسه ، وانبثت في أعماقه مشاعر الفنان اليقظ لكل ما يدور حوله  ، ثم يعد الحكيم الى حياته في سيرته الذاتية " سجن العمر " ليفسر ما هو موروث ،  وما هو مكسوب ، وطباعه حتى يعطي في النهاية صورة صريحة واضحة عن حياته .
ويتناول توفيق الحكيم في كتابه " سجن العمر " أيضا طفولته ودراسته ، وغيرها ،يعالج توفيق الحكيم  طفولته : على ان طفولتنا بوجه عام لم تكن طفولة مدللة ... فأنا لا أذكر  أني تلقيت من أهلي لعبة  من اللعب ... إلا مرة : دخل  علينا والدي  وفي يده وابور  صفيح  صغير في حجم الأصبع ، يباع في الشوارع   بنصف قرش ، قدمه إلي  بزهو وهو يقول :  " خد العب  ياوله !" ...
فلم أفرح به كثيرا ، لأنه كان ضئيلا  جدا ، ولا يسير  إلا دفعا  باليد  ... لا يملأ  بمفتاح  ، ولا  يبهر  لونه النظر .... ولم نكن نعرف هذا الذي  يسمونه اليوم عيد الميلاد ، ويصر على  الاحتفال  به أولادنا  وأحفادنا ، ويطالبون فيه بالحلوى والشموع والهدايا  وإن سال الدعوات  ... ما كنا نذكر   قط أو نعرف لنا أيام ميلاد .. ما كنا قط نعطي ولا كان  أحد يعطي لحياتنا أو تاريخ وجودنا  مثل هذه الأهمية ! ....  اليوم الوحيد  الذي  كنا نشعر فيه بجديد  هو يوم العيد ، الكبير  أو الصغير ، فقد كنا نتلقى فيه خمسة قروش ،  .... كنت أنا شخصيا  اكتفى  باللعب بها  طوال  أيام العيد ، ثم أردها بعد ذلك  إلى  أهلي  دون أن أنفقها .... 
غير أن قدوم العيد  كان هو حقا  كل فرصتنا لشراء ما يلزمنا من ملابس جديدة تنفعنا طول علمنا ... فكانوا يأخذوننا  إلى محل يسمى " ما ير "  ثم إلى آخر  يسمى " ستابن "  . وهناك يقوم دائما  بيننا العراك والصراع  ... فوالدي يبدأ  أول ما يبدأ بقراءة  بطاقة  الثمن ... ثم يأخذ في تقريظ وتحبيذ  النوع الأرخص ، أما نحن فلا ننظر في بطاقات ، ولكن نتجه  بأبصارنا   توا إلى ما يحلو لنا ، فإذا بنا قد وقعنا على الأصناف الغالية ! ... لكن  منذ الذي  كان يستمع إلينا ؟ .... كان والدي يشير من طرف خفي الى البائع  فيلف لنا في الورق  بسرعة ما اختاره هو لنا ... فنمضى به صاغرين .... 
تأتي بعد ذلك  مرحلة أكثر  وضوحا . مرحلة عجيبة لا أدري أنها حتى الآن ... ظاهرة لم أستطع لها حتى اليوم تعليلا طبيا ... كنت أصاب بحمى تلزمني الفراش نحو ثلاثة أيام ، كلما وقع بصري على جنازة  مارة في الطريق .... وعرف أهلي ذلك  عني فكانوا يحرصون على تجنيدي منظر الجنازات .... أذكر  يوما كنت مع جدتي في مركبة عائدة بنا من السوق  الى البيت  ، وكنت في أتم صحة وسرور  وإذا جنازة تظهر فجأة  عابرة شارعا بعيدا  ، أبصرتها عين جدتي فسارعت  تهمس للحوذي أن يحيد بمركبته عن ذلك الشارع ، وحسبت المسكينة أنها قد أفلحت في إنقاذي من الحمى  هذه المرة ... ولكنها شعرت برعدتي ورأت وجهي يشحب ويتصبب منه العرق فأدركت أني لمحت الجنازة ساعة لمحنها هي وأن الحمى سرت في جسمي وانتهى الأمر ...
مالعلاقة بين شيئ معنوي خارجي كمنظر جنازة مارة ، وهذه الإصابة السريعة بمرض  مادي جثماني كالحمى ؟ ! ... لم يخطر  على بال أحد هذا السؤال ... كانوا  يكتفون بعلاج الحمى  بكمدات الملح والخل ونحو ذلك حتى أبرأ ، وتتكرر الإصابة لعين السبب ، ويتكرر عين العلاج ، وهكذا دواليك ... أتراها قصة ملك الموت .... التي رواها " جوته " في إحدى قصائده الرائعة ؟ .... حكى أن طفلا تعلق بصدر أبيه ليحميه من صوت خفي يغريه برائع الهدايا واللعب  ولا أزهار كي يذهب اليه  ... ويمضى  معه ... وحست  الأب كلام  ابنه عبث  أطفال  فلم يأخذه مأخذ الجد ، فما بلغ به عتبة البيت حتى كان الطفل قد فارق  الحياة ! .[151]..
أترى الأطفال في صفائهم الملائكي  يحسون ويسمعون دبيب  أقدام ملك الموت ؟ ! .... أذكر  في طفولتي  أيضا  مثل هذا الحدث الغريب  وقع لطفلة  لطيفة رقيقة  هي عمتي ... ابنة  الزوجة  المتمدنة لجدي ...ذهبنا  الى عزبتهم في صفط الملوك مرة اخرى ذات صيف ، وقد صفت  المودة  بين تلك الزوجة ووالدتي  ... وكان أطفالها اي أعمامي وعماني يقاربونني في السن .... فكنا نمضى يومنا في اللعب بجوار  ساقية مهجورة تحف بها زراعة  تصب وذرة ... وجعلنا فيما أذكر  نصطاد  العصافير  ونجرى خلف طائر ابي الفصاد ..... لكن تلك العمة الطفلة الجميلة كانت ترغمنا إرغاما  على لعبة  واحدة لا تتغير ، تصل على تكرارها هي بعينها كل يوم : كانت تقع على الأرض  ممثلة دور  المريضة ثم تتضع كأنها تموت ما من  مرة لعبنا فيها معا إلا ومثلت دور الموت ! ... أذكر  أن قلبي  كان ينقبض انقباضا شديدا لهذه اللعبة .... فما كاد يمضي عام حتى سمعتهم يقولون إنها ماتت....
إني فيما  وقع لي أعتقد اني كنت محلا لصراع عنيف بين قوتين : قوة الموت وقوة الحياة ... وكانت الحرب بينهما سجالا ... ولكن الجسم كان يتخاذل منهوكا محموما في ميدان ذلك الصراع الخفي ، وانتصرت قوة الحياة . وولت ايام الطفولة  ، وأسدل العقل ستاره  الصفيق  على صفاء  الروح  ، فلم تعد تسمع دبيب خطوات ملك الموت ... ولم يعد  منظر الجنازات يهزني  . وشفيت  من الحمى ، لكن داءا آخر بدأ ينموا عندي بنمو العقل : إنه القلق ... لم أستطع منه فكا كا طول عمري ، إني في حالة قلق دائم طول حياتي ... حتى عندما لا أجد مبررا لأي قلب ، سرعان ما ينبع فجأة من تلقاء نفسه ... هذا القلق  الروحي  والفكري لا ينتهي  عندي أبدا ولا يهدأ..... إني سجينة سجن الأبد ... ولا أدري  له تعليلا ...
شيئ آخر  لا تعليل له عندي أيضا  : كنت أنطق  أحيانا بكلام يشبه التنبؤ ... من ذلك  أننا كنا نقطن – بمدينة ريفية صغيرة – بيتا يشرف على السكة الحديدية ... وفي ذات  يوم وذات ساعة مر قطار من تلك القطارات التي تمر بنا كل يوم كل ساعة .... ولكني أشرت ساعتئذ الى ذلك القطار بالذات وصحت بلا مناسبة : جدتي في هذا القطار ! ..... وما كان أحد يذكرها او يتوقع حضورها ... فقد  كانت  مقيمة منذ شهور طويلة  عند بنتها الكبرى في الأسكندرية ... ولم تمض لحظات حتى ظهرت جدتي بالفعل داخلة  بحقيبتها على غير انتظار ..... وفي يوم آخر جاءنا تلغراف بأن أحد أعمامي  الكبار  توفي ... كان يدعى محمود ... لم يذهب الى مدارس  كما فعل  أبي ... بل اشتغل من أول الأمر بالزراعة ... بم استأجر أطيان والدتي التي اشترتها ، لمدة خمس سنوات كما اشترط  ..... فرع  والدي ووالدتي للخبر وقاما فلبسا السواد للتعزية وجهزت الحقائب لسفر والدي ... ولكني ضحكت   - كما قالوا   - وصحت بهم :
لا تسافروا ... إنه لم يمت ! ....
ولم تمض ساعات إلا وكان عمى هذا  داخلا علينا  يحمل سلة كبيرة بها بيض  وجبن وطواجن الحمام بالارز الفلاحي ... واتضح ان التلغراف  محرف..... كان المقصود " محمود توجه اليوم .... فأخطا عامل التلغراف وكتب  " توفي " بدلا من " توجه "  ...في ذلك الزمن كان الخطأ شائعا في التلغرافات  لحداثة  العهد بها وقلة مران الموظفين عليها ...
روى لي أهلي فيما بعد أنهم كانوا يعجبون لمثل هذه  الحوادث مني ... اما  أنا فما كنت بالطبع ارى فيما افعل عجبا .... لأني  ما كنت اعى أو أعقل ما أقول  وأفعل ... .
 ويكتب في المقدمة : " هذه الصفحات ليست مجرد سرد وتاريخ لحياة ... إنها تعليل وتفسير لحياة ... " ([152]) .  وهذا الكتاب يلقى الضوء على الحقائق التاريخية السائدة في مصر حين ذاك : يعالج توفيق الحكيم الحياة المصرية يقول :
" ..... كانوا شبابا يجاهد جهاد المستميت في سبيل الحصول على التعليم . كل القوى كانت ضدهم : أهلهم ومجتمعهم وحكومتهم ... وكانوا يقنعون بالقليل : بل بأفل القليل . كان والدي مع بعض اخوته وأقاربهم وزملائهم ممن نزحوا الى القاهرة للطلب ، يبعثون في سكن واحد ..... ويطبخون لأنفسهم الطعام مرة كل اسبوع هو يوم الجمعة : يوم العطلة .... أما في بقية الأيام فكان طعامهم مما يجبل من السوق كالجبن او الفول . لأن انهما كهم في الدراسة كان يشغلهم عن اعداد طعام منزلي .... اما يوم الجمعة فهو يوم الترف والتنعم عندهم . يقبلون فيه على الطبخ . وما ذا كانوا يطبخون ... صنفا واحدا لا يتغير لرخصه . وحسبه فخرا ولذة وامتاعا انه مما يطبخ على نار .... وهذا وحده يكفي : ان العدس " ([153]) .
. مذكرات لأبى القاسم الشابى
        ولد ابو القاسم الثابى فى 26 شباط 1909م بعدينة "توزر" بالجنوب الغربى لتونس، وكان ابوه من رجال القضاء الشرعى، فشب الطفل فى بيئة عربية إسلامية. حفظ القرآن الكريم ودخل "جامع الزيتونة" يدرس علوم الدين ومتون واللغة والادب، ثم التحق بالمدرسة التونسية للحقوق فتخرج بشهادتها فى القانون سنة 1930، تزوج وانجب ابنين ولم يشتغل قط فى سلك او وظيفة لم يلبث ان ارهقت علة قلبه، ومات اليوم التاسع من تشرين الأول 1934م. ولما يتجاوز من السن الخاسمة والعشرين:
        يقول عنه "روبن اوسدل" : "كان ابو القاسم فتى دقيق التفس، يقظ الحس، عنيدا، جرئ الفكرة صريح القول. قال الشعر باكرا متأثرا "بالقدامى" و "المعرى" بالخصوص الذى وجد فى تشاومه ما يتجاوب مع قلقه الباطن ومزاجه المنقلب.[154] ويكتب عنه يوسف كوكان فى كتابه "اعلام النثر والشعر فى العصر العربى الحديث". " كان ابو القاسم الشاب روحا ثائرة يغنى بلواعجه وأشواقه فى صورة قصيدة غرام متصلة وان تعددة احداثها وتنوعت انغامها فى قوة وجعال دائمى التجدد".
        نعت البعض الشابى في حياته تارة بانه رومانسي واخرى بانه روزى، لاكن الكل اجمع على انه حول مجرى الشعر فى تونس، فعلا به عن الاجتماعات" و "الاخلاقيات" و "الياسيات" و "وعظ الوعاظ وتاريخ المؤرخين" حصر همه فى المأثور من ابنية الشعر العبى، وفيها سكب شعره الجديد، الذي كانت آية إبداعه جمال اللغة وموسيقها الفائقة من الايقاع الموزون والنغم المردد، والصور البكر من التثبيه والاستعارة التى تقرن بين المتباعدات من الأحياء والاشياء، لغة شعرية غنى بها حسب نوباته، بأسس النفس وغربتها، او بنشوتها ثملى "بجمال الوجود" و "بحب المرأة" وبالشعب اذا هب برد على عف الطغاة.
"مذكرات ابى القاسم الشابى"
        كتب ابو القاسم الشابى مذكراته باسلوب رائع. يقول عنها  د/ احمد ابراهيم رحمة الله في كتابه تيسير الاطلاع في الأدب والنقد. ان مذكرات الشابى هى حقا من أبواب الإبداع النثر الفني، لا يقل قيمة عن الأشعار وعن الرسائل، هى اقرب إلى الخواطر الوجدانية والمقالات الحبرانية والنثر الفني الرائع، وليست من نوع اليوميات التى يقص فيها كاتبها حياته الخاصة وانطباعات الحياة والناس فى نفسه.
        يقول د/ عمر فروخ فى كتابه "الشابى – شاعر الحب والحياة" عن تدوين مذكراته:
        "بدأ الشابى تدوين مذكراته تدوينا متقطعا منذ يوم الاربعاء فى (1-1-1930م) ثم توقف يوم الخميس فى (6-3-1930م) بعد ان دون ثلاثا وعشرين يومية فى سبعة و ثلاثين يوما. وهذه اليوميات او المذكرات ليست يوميات بالمعنى المقصود ولا بالمعنى المرجو، ولاكنها خطرات وجدانية كان يفلت من الشابى فى اثنائها هنا وهناك حقائق تتصل مباشرة بحقيقة اليوميات"[155].
وكان أسلوب الشابي جذاب ورائع ، يقول " ذهبت أنا والأخ زين العابدين والأخ مصطفى خريف ([156])مساء اليوم إلى النادي الأدبي لإلقاء محاضرتي عن كتاب " الأدب العربي في المغرب الأقصى " الذي طلب مني النادي الادبي أن أبسط لهم رأيي فيه . ولكننا لم نجد أحدا هناك . فجلسنا وأخذ الأخ زين العابدين يتلو علينا أقصوصة الحبيبة أو أحدوثة الحبيبة كما يريد أن يسميها الأخ عثمان الكعاك  ([157]) ، لأنه يرى كلمة أحدوثة أدق               ترجمة لكلمة  "  نوفيل "  الفرنسية . وأحدوثة الحبيبة هاته قصة صغرى كتبها الأخ زين العابدين بمشاركة شخص أبي أن يسميه ، وأعدها للعدد الثاني من مجلة " العالم " وهي قصة تونسية حاول أن يمثل فيها بعض العادات التونسية ،  وصور فيها بعض الأوهام الخرافية التي تستحوذ على عقول العذارى الشابات ".
        ان اسلوبه البارز بجماله والمثير بخياله. كتب الشابى يومياته إلى مكتبى الحزين، افكر بايامى العاضية التى كفتتها الدموع والأحزان، واستعرض رسوم الحياة الخالية التى تناثرت من شريط ليالي وأيامي، وذهبت بها صروف الوجود إلى اودية النسيان البعيدة النائية......ها هم اصدقاء طفولتى الحالعة الذين عرفتهم فى بلاد كثيرة، ها هم يتراكضون بين المروج الخضراء ويجمعون باقات الشقيق والاقحوان ثم يتلقون الجبال متتبعين اعشاش الطيور الصيفية ومترنعين بتلك الاغانى البريئة الطاهرة.
        كتب ابو القاسم مذكراته اليوم عن نهارى هذا. لعل خيرا لى ان اذهب إلى فراض وانام لانسى فى عالم الاحلام هذا الوجود الخيف والام القلب المرة الموجعة ...... لقد مات ابى، ايها القلب  فعاذا لك بعد فى هذا العالم. هات ابى وظللت وانتحب وانواح وابكى بكاء النساء...... كلما اويت إلى فراش طافت برهاته الاشباح والرسوم. فلا انام الا وفى قلبى لذعة الذكريات، وفى اجفانى عيرات الاسس. وها انا ذاهب لانام، وانا اعلم اننى لن انام الاباكيا كثيبا. وأنه يداول حياته كما وصف فى كتابه: 59- "فى هذا اليوم قد بدأت حياة جديدة، ودخلت فى طور من عمرى جديد، طور المتاعب والمشاغل والمادة الصماء التى لاتعى ولاتسمع، ولاتفقه غير لغة المال. جرت عادة العدلية مع تلامذة السنة الثانية من دروس الحقوق أن يدخلوهم إلى دوائر العدلية بصفة معينين للكتبة لكى يستفيدوا من ذلك المران دروسا تطبيقية مفيدة تكون عتادا لهم فى مقتبل أعمارهم حين يصبحون حكاما.
        وبالله، كم تشرئب لمثل هذا المنصب نفوس، وتتحرق له قلوب مسكينة. وبيالله، ما أبغضه إلى وأكرهه. وكانيومنا هذا هو يوم توزيعنا علىالدوائر المختلفة. وفى الساعة التاسعة والتصفكنا أمام بيت أستاذنا محمد المالقى. وما هو الا قليلحتى خرج الاستاذ. وبع التحية ساربنا فى منعرجات العدلية، وصعد بنا فى طباقها إلى أن وصل بنا إلى مكتب أحد أساتذتنا الفرنسية ليقدم إلى أسماءنا. وبعد قليل كنا راجعين أدراجنا وراءه إلى أن وصلنا أين كنا جالسين. فدخل الأستاذ إلى مكتبه ليستخرج الورقة التى نظمت فيها كيفية توزيعنا. وبعد يسير خرج الأستاذ يحمل فى يده ورقة، واستند إلى الحائط وأخذ يتلو على التلامذة المحيطين به أسماءهم، وكيفية ترتيبهم فكنت ورفاقا لى ثلاثة بالدائرة المدنية. ولا تسل عن غضب هذا، واشمئزاز ذاك، وتألم ذلك، لانه لم يحرز على المركز الذى كان يرجوه، اما لقلة العمل فيه، أو لفزارة فائدته، أو لغير ذلك من الأسباب التى كانت تملأ أدمغة كثيرة. وأحسب أن مركزنا كان مغبوطا من أكثر رفاقنا، قد اضطر أن مركزنا كان مغبوطا من أكثر رفاقنا، قد اضطر أن يعقب ذلك التصريح بقوله : "أننى أعلم أن كثيرا منكم سيغضب لأننى لم أرشحه فى الدائرة المدنية، ولكن من المعقول أن تعلمو أم هاته الدائرة لاتسع جميعكم. على أننى أقول لكم : انه لابد أن يقع تبادلكم المراكز كلما يمر عليكم حين من الدهر، لتكون الفائدة أشمل، والانتفاع أكمل".[158] ولكن هذا لم يكفكف مما فى أنفس البعض. ولما أتم الأستاذ سرد الأسماء أخذ يحمل كل طائفة ليقدمها إلى رئيس الدائرة التى ستتعاطى العمل فيها. وكم كنت مشفقا على هذا الأستاذ الكريم من كل ذلك النصب الذى يجشم به نفسه. فمن دائرة المدلية، إلى دوائر الدريبة. ومن هذه إلى تلك، وهو يذرع منعرجات المعابر ويقطع درج الادارة بسرعة تكاد تكون عدوا. حتى لقد صارحت رفيقا من رفقائى باشفاقى على الأستاذ.       
        وبدأ الأستاذ عمل التقدمة بالطائفة التى أنا منها. ودخلنا إلى الرئيس الذى سيكون اليه مرجع نظرنا. فقدم اليه واحدا اثرواحد مكتفيا بقوله أقدم لك فلانا أو بزيادة ابن فلان. ولما وصل الدور الي قالك "أقدم لك أبا القاسم الشابى المؤلف الشهير. ولا اخالكم الاقد سمعتم باسمه". فأخجلنى جدا، فلم أستطع أن أجيبه الا بالتبرؤ من مثل هذا الوصف. وفى الحقيقة فان هذا الأستاذ الكريم قد أصبح لى من ذلك اليوم الذى أهديت له فيه كتابى نصيرا. فانه كثيرا ما كال لى أوصاف المدح والاطراء حتى أخجلنى.
        ولما تمت تقدمتنا انفردت أنا وصديق لى ببيت خاص نعمل فيه وحدنا. فابتهجت كثيرا، اذ أن أبغض شيئ اليّ هو أن أبقى إلى جانب الرئيس الذى ربما لا تلاثم نفسه نفسى، ولاتوافق أخلاقه طباعى، ربما كان متكبرا يحب السيطرة والعنف، وأنا رجل عصبى لا أحتمل الذل، ولا أستطيع أن أخمد غضبى، فتنجلى الثورة عن شيئ جميل جدا.... الله أدرى بنتائجه... ولقد أخذت اليوم أتمرن على هاته الأعمال الثقيلة". [159]

"اصداء السيرة الذاتية" لنجيب محفوظ
        ولد نجيب محفوظ عام 1911م. اسمه عبد العزيز وامضى طفولته فى حي الجمالية. وحصل على شهادة فى الفلسفة عام 1934م. واثناء اعداده لرسالة الماجستير "وقع فريسة لصراع حاد" بين مشابعة دراسة الفلسفة وميله إلى الادب الذى نسعى فى السنوات الاخيرة لتخصصه بعد قراءة العقاد وطه حسين. ثم بدأ كتابة القصة القصيرة عا 1936م. وانصرف إلى العمل الادبى بصورة شبه دائعة بعد التحاقة فى الوظيفة العامة. وعمل فى عدد من الوظائف الرسعية، ونشر رواياته الاولى عن التاريخ الفرعونى. ولاكن موهبته ستتجلى فى ثلاثية الشهيرة (بين القصرين، وقصر الشوقن والسكرية). ونقل نجيب محفوظ فى اعماله حياة الطبقة المتوسطة فى احياء القاهرة، فعبر عن همومها واحلامها وصور قلقها وتوجساتها خلال لقضايا العصرية، كما نقش حياة الاسرة العصرية فى علاقاتها الداخلية امتداد هذه العلاقات فى المجتمع. ولاكن هذه الاعمال التى ازدوجت بالواقعية الحية لم تلبث ان اتخذت طابعا رمزيا كما فى رواياته "اولاد حارتنا" و "الحرافيش" و "رحلة ابن فطوطة".
        كت نجيب محفوظ عددا من السينار يويات للسينما. ولم تكن هذه السيناريات تتصل باعماله الروائية التى سيتحول عدد منها إلى الشاشة فى فترة متأخرة. ومن هذه الاعمال "بداية ونهاية" و "الثلاثية"  و "ثرثرة فوق النيل" و "اللص والكلاب" و "الطريق".
        ترجمت روايته "زقاق الصدق" إلى الفرنسية عام 1970، ونقل عدد من اعماله البارزة إلى لغات متعددة حتى المليالمية، ولاسيما الفرنسية والانكليزية بعد حصوله على جائزة نوبل للآداب عام 1988م.
"اصداء السيرة الذاتية"
        يداول نجيب محفوظ فى كتابه "اصداء السيرة الذاتية" عن حياته وطفولته ونشأته ودراسته واعماله الادبية وغيرها.
        يعالج نجيب محفوظ عن طفولته باسلوب بديع يقول نجيب محفوظ عن طفولته "ذهبت ذات صاح إلىمدرستى الاولية محروسا بالخادمة، سرت كمن يساق إلى سجن، بيدى كراسة وفى عينى كآبة. وفى قلبى حنين للفوض، والهواء البار يلسع ساقى شبه العارتين تحت بنطلونى القصير. وجدنا المدرسة مغلقة، والفراض يقول بصوت جهير بسبب المظاهرات الادراسة الوم ايضا".
        انه قد نجح فى تصوير ما وقع فى طفولته حتى صحته ومرضه يقول عن مرضه.
        "فى صباى مرضت مرضا لازمن بضعة اشهر. تغير الجو من حولى بصورة مذهلة وتغيرت المعاملة ولت ذنيا الارهاب، وتلقتنى احضان الرعاية والحسنان. امى لاتفارقنى وابى يمر علي فى الذهاب والاياب. واخوتى يقبلون لازجر ولاتعيير بالسقوط فى الامتحانات". [160]
        وكان نجيب محفوظ يتمتع فى صباء. انه قد كتب عن ذلك "كنا ابناء شارع واحد تتراوح اعمارنا بين الثامنة والعاشرة وكان يتعيز بقوة بدنية تفوق سنه، ويواظب على تقوية عضلاته برفع الاثقال، وكان فظا عليظا شرسا مستعدا للعراك لاتفسه الاسباب لا يفوت يوم سلام ودون معركة، ولم يسلم من ضرباته احد منا حتى بات شبح الكرب والعناء فى حياتنا فلا تسأل عن فرحتنا الكبرى حين علمنا بان اسرته قررت مغادرة الحي كله، شعرنا حقيقةبأننا تبدأ حياة جديدة من العودة والصفاء والسلام. ولم تغب عنا اخباره تعاما. فقد احترف الرياضة وتفوق فيها واحرز بظولات عددة حتى اضطر غلى الاعتزال لعرض قلبه، فكدنا ننساه فى غمار الشيخوخة والبعد".[161]
نجيب محفوظ رجل مسن ومن الطبيعي بالنسبة له أن يتفكر بإمعان في القضاء والقدر الذين لا مفر من التصديق بهما ، إنهما قدر محتوم للمؤمنين والمتشككين على حد سواء ، لكن بعضنا ممن يقوم بعمله يعرف انه يحمل فكرة الموت في ذهنه مثل جزء من سؤال الوجود عن كون الحياة نفسها . تلك هي القصة الرمزية للموت التي لا بد أن يلقب بها نص " الحركة القادمة " فالسؤال فيه يكون عن النهاية الرمزية للإنسان ربما يسأل الآن " لما لم تهيئ نفسك لمصير لا مفرمنه ؟([162]) عندما تتأمل في شخصيات محفوظ الخيالية مبكرا جدا تجدها تدور حول السؤال " لماذا لا تجهز نفسك لذلك عندما تعرف قدرك الحتمي  ؟ " . وربما قال الشخص ، مع ذلك ، أنه يأخذ ذلك بعين الإعتبار لكنه يتجنب الحديث فيه ويبرر عمله . في نص " الطراب " يقابل الراوي مطربا كبيرا في في السن ويذكره بالتواشيح الموسيقية التي كان يتولها والتي لا تزال تمثل الحياة الأبدية المبهجة التي تطرح جانبا كل ما هو دنيوي ، بينما السياسة الحتمية والموت وتجسيد الحكمة تتم بحساب مدى العمر بيننا وبين محفوظ  . الأطفال في القرن العشرين والأخلاق السياسية المعقدة . والعلاقات الشخصية هي محور اعمال نجيب محفوظ     " ثلاثية القاهرة " . وفي بعض اعماله الأقل منها . وفي نص " ليلى" العنوان يعبر عن اسم امرأة والأخلاق الجنسية هي الخيط الرئيسي فيه يقول الراوي : " في ايام النضال والافكار والشمس المشرقة ، تألقت ليلى في هالة من الجمال الإغراء . قال أناس : إنها رائدة متحررة .وقال أناس : ما هي الا داعرة . ولما غربت الشمس وتوارى النضال والأفكار في الظل هاجر من  هاجر الى دنيا الله الواسعة ، وبعد سنين رجعوا وكل يتأبط جرة كمن الذهب وحمولة من سوء السمعة ، وضحكت ليلى طويلا وتساءلت ساخرة : ترى ما قولكم اليوم عن الدعارة ؟ ([163]) . السؤال الجوهري في النص التالي " التحدي " متى يمكن لواقع البلد ان يكون ذا مغزى ؟ والإجابة يحدث ذلك عندما يصدق الناس. والنتيجة هي الخوف المشؤومة اكثر من الأحداث التي تؤثر السلامة ، بينما أوامر هذه الأخلاق السياسية ليست سهلة الإتباع ، يتضح ذلك الجدل السياسي في نص : " في غمار جدل السياسي سأل أحد النواب وزيرا . هل تستطيع ان تدلني على شخص طاهر لم يلوث ؟ فأجاب الوزير : إليك – على سبيل المثال لا الحصر – الأطفال المعتوهين المجانين فالدنيا لا زالت بخير " ([164]) . وفي نص " الخلود " يدنو أحد المتسولين من الشيخ عبد ربه التائه الضرير الذي يتجول عبر نصوص محفوظ مراوغا في الإجابات المنجية لمريديه " . قال الشيخ عبد ربه التائه : وقفت أمام المقام الشريف اسأل الله الصحة وطول العمر دنا مني متسول عجوز مهلهل الثوب وسألني " هل تتمنى طول العمر حقا ؟ " . فقلت بإيجاز من لا يود الحديث معه : ومن ذا الذي لا يتمنى ذلك ؟ فقدم لي حقا صغيرا مغلقا وقال : اليك طعم الخلود ، لن يكابد الموت من يذوقه ! فابتسمت باستهانة فقال: لقد تناولته منذ آلاف سنين وما زلت أنوء بحمل  أعباء الحياة جيلا بعد جيل. فغمغمت : يا لك من رجل سعيد . فأجاب باسي : هذا قول من لم يعان كر العصور وتعاقب الأحوال ونمو المعارف ورحيل الاحبة ودفن الأحفاد . مع شروق كل شمس أبكى ايامي الضائعة وبلداني الذاهبة وآلهتي الغائبة !([165]).    تلك صرخة حزن على العالم الذي يمثله صوت محفوظ . لكنه لا يصعد لمرتبة النقش على الضريح مقابل الخلود الذي يعنى اختيار شروط سحر الحياة . ولذا فمراجعة نصوص محفوظ بتوسع تنفى عنه سلبيته في الدفاع عن صورة المرأة . ففي نص " الرحمة " يتجسد تعاطفه مع المرأة حيث " البيت قديم وكذلك زوجان ، هو في الستين وهي في السبعين جمعهما الحب منذ  ثلاثين عاما خلت ، ثم هجر هما مع بقية الآمال ، لولا ضيق ذات اليد لفر العصفور من القفص ، يعاني دائما من شدة نهمه للحياة ، وتعاني هي من شدة الخوف . ويسلى أحلام يقظته بشراء اوراق اليانصيب لعل وعسى . كلما اشترى ورقة غمغم " رحمتك يا رب " فيخفق قلب المرأة رعبا وتغمغم " رحمتك يارب " ([166]) .  هنا يصور محفوظ مشهدا دينا ميكيا جوهره الترحيب التدين لكنه يأتي معاكسا لرغبة كل من الزوجين . الآن كيف يكون الخجل من يطير من الفرح بينما يصير هذا الفرح الوهمي الى زوال ، يحدث ذلك وهو ذو مغزى في نص " العريس " يقول الراوي " سألت الشيخ عبد ربه التائه عن مثله الأعلى فيمن عاشر من الناس ، فقال : رجل طيب تجلت كراماته في المداومة على خدمة الناس وذكر الله ، وفي عيد ميلاده المائة سكر ورقص وغنى وتزود من بكر في العشرين ، وفي ليلة الدخلة جاءت كوكبة من الملائكة فبخرته ببخور جبل قاف " ([167]) .  إنه الإنفصال عن الخطايا في مقابل الحياة ، كذلك عندما يقول الراوي في نص " ذلك الحب"  " قلت للشيخ عبد ربه التائه " سمعت قوما يأخذون عليك حبك الشديد للدنيا .. فقال : حب الدنيا آية من آيات الشكر ، ودليل ولع بكل جميل وعلامة من علامات الصبر " ([168]) . فغير منكر ان تكون تلك الحياة حزينة ، انه بمثابة حكم نهائي حيث يسير الرجل مندهشا بين الألم والسرور وفي نص " حزن الحياة " سال الشيخ عبد ربه التائه : هل تحزن الحياة على أحد ؟ فأجاب : نعم .. إذا كان عشاقها المخلصين  ([169]) " . هنا  - على الأصح – مقارنة بالراهب في عشق الحياة وهو ما يتأكد عبر نص " السحر " . قال الشيخ عبد ربه التائه " تبدو الحياة سلسلة من الصراعات والدموع والمخاوف ، ولن لها سحر يفتن ويسكر " ([170]). فإذا قدم شخص عملا يحمل قدرا من الإختلاف أو التميز ، فذلك هو سر الفناء وهو يتجلى في نص " الخصم القوي " " قال الشيخ عبد ربه التائه  يا من ايقظتن الفؤاد في دار الفناء ، أشهد بأنكن خلقتن الخصم القوى الذي يتحدى الموت "([171]) فماذا يجدي نفعا في تلك المعتقدات السائدة حول مذهب الحياة ؟ ، أو أي ميل لذلك . ومن ثم تكون الفردوس ليست النهاية التي تجعل الوجود الدنيوي ذا مغزى . هذه الحياة عندما نكتشف وتقبل كاملة وبشجاعة بواسطة الشكوك المتلاحقة عبر المطاردة العنيدة لخلاص راوي محفوظ فهذا يكفي ، ففي نص " شكر " قال عبد ربه التائه "  الحمد الله الذي انقذنا وجوده من العبث في الدنيا ومن الفناء في الآخرة " ([172]) . واذا كان الانغماس في الشهوات ظاهرا في الإحساس المتسع بكل النماذج البشرية المطروحة في النص ، فإن ذلك ليس عاملا معارضا لجانب من الروحانية القارة في النصوص مثل نص " لا تندم " قال الشيخ عبد ربه التائه : اخفق يا قلبي واعشق كل جميع ابك بدمع غزير اذا شئت ولا تندم "[173]، أو نص " الدين " قال الشيخ عبد ربه التائه " الحياة دين ثقيل ، رحم الله من سدده "[174].
النصف الثاني من النثر الموجود في المجموعة مفتن في التعبير والخبرات لشيخ آخر يدعى عبد ربه التائه الذي يتحدث ربما يتخيل نجيب محفوظ لبعض من رموز الورع في تاريخ الصوفية مثل " رابعة العدوية " المرأة التي كانت معروفة بالزهد في البصرة والإمام الفارسي " جنيد البغدادي "والخواجة " شيستي معين الدين " الموجود في الهند ، والشيخ المظفر " في اسطنبول . بكل ثقة أيضا الزعبلاوي أخ لهؤلاء في الهيام والتجول والظهور والخفاء ليعذب المشتاقين للخلاص والنجاة من عذابات الدنيا . في الشوارع التي تضمها نصوص محفوظ عرض وسحب للغز الوجود وتوجيهه الى كيفية الحياة برغد . هذا يتم عند ظهور الولي في ربع القاهرة حيث يخترع نجيب محفوظ في دفتر ملاحظاته صيحة له تقول : " إذا ضل أحد يولد بدلامنه مهتدون " . جوهر فلسفته الأولى كانت في إجابته على لسان الراوي او كل رجل بدلا  من محفوظ – مثل الذي يقدم طلبالانضمام الى كهف الشيخ الأفلاطوني في نص " عندما التقط العينان " : " قلت بعد تردد : أكاد أضيق بالدنيا واروم الهروب منها . فقال بوضوح  : حب الدنيا محور طريقتنا وعدونا الهروب ، فشعرت بأنني انطلق من مقام الحيرة . " ([175]) .
صدرت في الأعوام الأخيرة بعض كتب السيرة الذاتية ومنها "   شواهد ومشاهد " لعبد الحميد       ابراهيم . و " مد الموج " لمحمد جبريل . كلها يقتدي بنجيب محفوظ في كتابه  " أصداء السيرة الذاتية "         حيث لا ترصد السيرة الذاتية بطريقة السرد المعروفة وإنما تختار مشاهد أقرب الى النقطة الموحية أو القصة القصيرة حدا . ([176])
أخيرا قد حاول حسين عيد ليرسم سيرة ذاتية وأدبية لنجيب محفوظ من خلال اعماله الفنية الكثيرة ، خاصة تلك التي تظهر فيها اصداء حياته الخاصة بما اكتنفها من احداث وأشخاص مسترشدا بحواراته ([177]) يقول حسين عيد : " ان نجيب محفوظ اتخذ من الفن حياة تعاش لذاتها ، ويرجع ذلك الى عدد من الأسباب:  تجاهل النقاد – في البداية – لأعماله ، وأن اختيار الأدب حياة كان اختيارا حتما ، إضافة الى اجتهاده الطبيعي ، وان الفنان الكبير لا يستسلم إزاء اي عقبة تعترض مسار فنه فيضطر الى البحث عن حل بديل" ([178]) . أما رواية حديث الصباح والمساء فقد رسم نجيب محفوظ فيها بناء شامخا موازيا لشجرة عائلته بكل شخصياتها بدء من جذوره القديمة ، وانتهاء الى الفروع الحديثة  ([179]) ، ورسم نجيب محفوظ ملامح البيت الذي يعيش فيه ، حين قال في كتابه " نجيب محفوظ يتذكر " " كنا نسكن بيتا أو بالمعنى الدارج ، بيت من بابه ، ومن الممكن أن نطلق عليه " بيت رأسي " بالمعنى الحديث " ... ([180]) واثرت ماساة صديقه ناجي مرقص في نجيب محفوظ تأثيرا كبيرا ، حتى إنه كتب في رواية "  المرايا " أنه : " كثيرا ما كنت أتذكره وأتحسر على نهايته ، وكلما صادفني شيئا من التوفيق في حياتي الدراسية او العلمية تذكرته فداخلني الأسى "([181]) .
        لاشك، انه لايستر شيئا من حياته، ويعالج فى كتابه خيره وشره، ونعماته وشقائه، ان كتابه "اصداء السيرة الذاتية" لها مكانة عالية فى الكتب المذكرات فى الادب العربى الحديث.
تربية سلامه موسى لسلامه موسى
        ولد سلامه موسى فى مصر عام 1887م. درس بالمدارس المصرية ثم اتجه إلى انجلترا لدراسة القانون. وبدأ حياته العقلية سنة 1909م بمقال فى المقتطف عن الفيلسوف نيتشه (1844-1900) واول مؤلفاته مقدمة السبرمان (الإنسان الكامل) الذى الغه نيتشه وكتبها وهو طالب فى لندن.
        عاد إلى الوطن واشتغل معلما بمدرسة ابتدائية ثم بمدرسة ثانوية بالقاهرة، كتب سلامه موسى كتابا عن الاشراكية سنة 1912م. وكان احد المؤسسين للحزب الاشتراكى بمصر سنة 1920م. يقول عنه "يوسف كوكان":
        "وهو اول من كتب بالعربية عن الاشتراكية وفسر التاريخ الاقتصادى وحلل تحللا نفسيا آراء ميثورين وليسكنو السوفيت فى الزراعة".[182]
        تبلغ مؤلقاته حوالى الاربعين كتابا ما عدا مثات المقالات والقصص تتجه كلها للدعوة إلى ان يكون للادب والفنون رسالة هى تطوير عواطف الشعب كي يحمل واعيا مؤلياته فى عصر الذرة والاشتراكية:
"تربية سلامه موسى"
        كتابه "تربية سلامه موسى" كتابا عن حياته الشخصية يقول "يوسف كوكان" فى كتابه "اعلام النثر والشعر فى العصر العربى الحديث:  
        "كتب كتابا عن حياته الشخصية باسم "تربية سلامه موسى "ونشره فى سنة 1947 م بسط فيه من تجربه فى صدق وسذاجة وهذا الكتاب هو تاريخ الكفاح الشعبى فى مصر خلال نصف القرن الماضى".[183]
ويقول سلامة موسى في مقدمة كتابه : " وقد قضيت عمري إلى الآن  ( 1947 ) ، وهو يقارب الستين ، في بقعة مضطربه من هذا الكواكب ، هي مصر . وعشت هذا العمر وأنا أرى انتقالها المتعثر من الشرق إلى الغرب أي من آسيا إلى اوربا . وعاينت مخاضها وهي تلد هذا المجتمع الجديد الذي لا يزال طفلا يحبوا كما عاينت كفاحها للإنجليز المستعمرين وللرجعيين المصريين . وكل هذا يستحق أن يروي وأن يقف عليه الجيل الجديد . وأنا إذن في هذه السيرة لست مؤرخا لنفسي فقط إذن أني حين أترجم بحياتي وأصف للقارئ كيف تكونت شخصيتي وكيف ربيت نفسي ....([184])
إن سلامة موسى في سيرته أراد ان يقرر كيف كان شخصية ذات طوابع مفارقة الكثير من مواضعات عصره ، وهذا أمر يحسن بالكاتب أن يجعله مستنجا من سيرته جملة ، لا أن يفرضه على القارئ فرضا ، إذ التقرير المحض في هذه الأمور لا يثبت حقيقة ولا ينقضها . " ولذلك أيضا يجب الا نستصغر قيمة السيرة يكتبها المتوسط العادي وحتى المنحط الشاذ  ، لان في تخلفه عن اللحاق أو في عجزه عن السبق ، عبرة قد يرجع مغزاها الى المجتمع الذي عاش فيه ، فتقع تبعته على بيئته وليس عليه ، وعندئذ تكون سيرته دعوة الى هذا المجتمع كي يتغير ويتطور " ([185])
"  وتربية سلامة وموسى " هي سيرتي أبسطها لقراء الجيل الجديد حتر يعرفوا ما لم يروه أو يختبروه من الحوادث التي مرت بنا فيما بين 1895 و 1947 . واعود   فأكرر انها ليست تاريخا وإنما هي وقع التاريخ في نفسي . وسيرتي هي أولا وآخرا تربيتي . وقد اقتبست العنوان من    هنري آدمز    ووجدت في معناه  مغوي قد ينتفع به القارئ . " ([186]) هذه هي عناوين الفصول للكتاب : الطفولة والصبا ، امي وإخوتي ، القاهرة فيما بين 1903  و 1907 ، أول وجداني الذهني ، كرومر وجورست وكتشنر ، الآفاق الاوربية تفتح لي ، أنا أربي نفسي ، تربيتي الأدبية  ،  تربيتي العلمية ، ذكريات الحرب الكبرى الأولى ، ثورة  1919 ، زوجة وأطفال ، شخصية عرفتها ، كفاحي الثقافي واختباراتي الصحفية ، كفاحي السياسي ، في خدمة الشباب ، من الأفلام الماضية ، بعض الأدباء الذين عرفتهم ، التدابير الإنجليزية لفقرنا وجهلنا ومرضنا ، فلسفة وديانة ، هذه العمر من 1919 إلى  1947 ، برنامج السنوات العشر القادمة  . ويختتم كتابه بذكريات من حياة "  مي "    فيقول فيها : "    قصة  "  مي " هي عندي ذكرى ثم أسف " .
يقول إحسان عباس : ولولا شعوره بأنه و نظرة خاصة إلى الكون والناس لما كتب سيرته ، ولما استحق ما يقرأ منها باسم السيرة الذاتية ، فإنها أدخل في باب التاريخ ، وافرب الى طبيعة التقرير ذات العلمية  ([187]) . ويقول "  يوسف كوكان " في كتابه "  اعلام النثر والشعر في العصر العربي الحديث : كتب كتابا عن حياته الشخصية باسم "  تربية سلامة موسى " بسط فيه من تجاربه في صدق وسذاجة وهذا الكتاب هو تاريخ الكفاح الشعبي في مصر خلال نصف القرن الماضي " .
يقول الدكتور غالي شكري : إن كتابا ما يمكن أن يكون نقطة التحول في تاريخ فرد من الأفراد إنما كانت " تربية سلامة موسى " . إن كتابات سلامة موسى ومؤلفاته تلقى روادا بعد وفاته اكثر مما كانت عليه في حياته . وأصبح مفكرا للشعب ... أن بعض أفكاره اصبحت مع الزمن أكثر شهرة منه ، فقطاعات عريضة من الأجيال الجديدة لا تعرف انه كان أحد الرجال الذين استشهدوا من أجل ما يتصورونه بديهيا في عصرهم .. انتصر سلامة موسى في مختلف الانتفاضات الحضارية وهو واحد   من أبناء الرعيل الأول الذين وضعوا حجر الأساس في مرح النهضة الثقافية الحاضرة ([188]) .
ونرى الملاحظات الأولى على حياته الفكرية انه حدد اتجاه مساره التاريخي ، بالرغم من القلق والسذاجة الذين صاحبا بعض افكاره ، هذه المسار هو التعبير الثوري عن قوى التقدم في المجتمع ، التعبير الذي صاغه في اسلوب مباشر حين يصور لنا لحظات نقطة التحول التاريخية في حياته ، إذ خلا الى نفسه يسألها في صراحة : " من هو خصومي الذين يجب ان اكافحهم ؟ ومن هم اصدقائي الذين يجب أن أؤيدهم ؟ ووجدتني أفكر وأجيب ، وأحيانا يحتد تفكيري فأسمعه كلاما انطق به أجل ليس لي مأرب في هذه الدنيا . فلست أبالي أن اكون ثريا  . لا بل لست أبالي ايضا ان تكون لي زوجة واطفال . وإنما قصدي ان أفهم ، ان اعرف كل شيئ وآكل المعرفة اكلا . ثم عدت فقلت : ولكن لماذا ؟ وأجبت : لا كافح ! أكافح هذا الشرق التعفن الذي تنغل فيه ديدان التقاليد . وأكافح هذا الهوان الذي يعيش فيه أبناء وطني ، لهؤلاء الرجعيين الذين يعارضون العلم والحضارة العصري وحربة المرأة ، ويؤمنون بالغيبيات . وصارت هذه الأفكار هما يؤرقني "([189]) .
ونلتقي بالعقلية العلمية مع مرحلة جديدة من مراحل تطور سلامة موسى . إنها مرحلة جديدة تتطور به في مجال علم النفس من التسجيل الفوتوغرافي للنظريات السيكلوجية في العقل الباطن إلى الفهم العلمي لحياتنا النفسية ، يقول : " وغاية الثقافة بعد ذلك نزيد الحياة وجدانا بأن نجعل مشكلات العلم مشكلاتنا الشخصية لأن الحياة تنادينا إلى اليقظة والفهم والحد كلما استولى علينا النعاس والركود . والأدب هو إحدى الوسائل لزيادة هذا الوجدان . وعندي ان الرجل المثقف هو الذي يرتفع وجدانه الشخصي الى الوجدان العلمي . ولا يكون هذه الى بالانغماس في المشكلات البشرية العالمية " ([190])
إن الماركسية اضافت إلى منهجه شيئا جديدا ،   لقد أخذ من ماركس الدليل والمرشد ، ولكنه مضى في الطريق العظيم ، طريق الفكر ، يدعم منهجه يوما بعد يوم ، فإذا كان ماركس أفاقه على حقيقة وجوده ، فإن ابسن وبرنادشو وجوركي أسهموا بأنصبة متفاوتة في أعناء هذا الوجود ، يقول عن نيشته : " وانتفعت كثيرا  بتحليله للأخلاق . ولكن هذا التحليل بالطبع فقد قيمته بعد ان عرفت التحليل الماركسي ، وإن كان كلاهما ينتهي الى ان الاخلاق السائدة هي اخلاق السائدين . ولكن ماركس وصل الى هذه النتيجة بالتحليل الاقتصادي للمجتمع ، على حين وصل اليها نيتشه بالتحليل التاريخي اللغة .... ولكن رويدا رويدا تقهقر نيتشه من وجداني وتغير عندي مغزي التطور بل تطورت عندي نظرية التطزر ، فلم يعد نابليون هو السبرمان  ، ولم يعد للإمبراطوريات مغزي التفوق البيولوجي الذي كاد نيتشه يوهمني انه كذلك "([191]) .
أو جز لنا إيمانه بالحياة في ثلاث نقاط : " وإذا شئت أيها القارئ ، زيادة في التفصيل فاعرف :  1- أني أؤمن بالحقائق . ومن هنا تعلق بالعلم لأنه حقائق . 2 – وإذا كان لا بد من عقيدة   فإني أؤمن بها عندما تكون ثمرة الحقائق العلمية . فإني اعتقد مثلا بالمستقبل الاشتراكي للعالم كما لمصر وأعمل له لأن الاقتصاديات العصرية تومئ بذلك . 3 – وأؤمن بأنه ليس في الدنيا أو الكون أو المجتمع استقرار . لأن التطور هو اساس المادة والأحياء والمجتمعات . أي اساس الوجود . وأن الجمود الاجتماعي هو معارضة آثمة من الاشرار لسنن الكون والحياة  ([192]) .
إن سلامة موسى في الجزء الأخير من كتابه يناقش الحرية الفكر كمفهوم الفابيين الإنجليز في الحرية ، إذ هو يقف الى جانب الحرية النابعة من قباب مجالس النواب ، ولا يؤيد الحرية النابعة من الثورة ويذكر الإمام محمد عبده وجمال الدين الأفغاني كنموذجين رائعين للعمل الدائب المثمر من أجل الحرية ([193]).

"قصصتى مع الشعر" لنزال القبانى
        ولد نزار القبانى فى 21 مارس 1923 فى بيت قديم من دمشق. وكان ولادته فى فصول الربيع انه اشار ذلك فى كتابه "الارض وامى حملتا فى وقت واحد...... ووضعتا فى وقت واحد". وكان ابوه توفيق القبانى وهو زعيم من الزعماء السياسيين السوريين، ولم يكن ابوه غنيا ولم يجمع ثروة، ولم يكن ابوه متدينا : يقول ذلك فى كتابه "وكان يصوم خوفا من امه، ويصلى الجمعة فى مسجد الحي – فى بعض المناسبات"- خوفا من قومه، وكان الدين عنده سلوكا وتعاملا وخلقا، وكان فى ماله حق السائل والمحروم": وكان امه مشغولة فى عبادته، وصومها، وسجادة صلاتها، تسعى إلى المقابر فى المواسيهم، وتقدم النذور للأولياء، ومع ذلك لها عقيدة خرافية: يصف نزار القبانى عن عقيدة امة.
        "تطبخ الحبوب في عاشوراء، وتمتنع عن زيارة المرضى يوم الأربعاء، وعن الغيل يوم الاثنين، وتنهانا عن قص اظفارنا اذا هبط الليل....."[194]
        هكذا تفكير ابوه الثائر وتفكير امه السفلى، نشأ نزار القبانى بين الثائر والسفلى، بين النار والماء.
دراسته :
        وكان نزار القبانى الثانى بين اربعة صبيان وبنت هم المعتز وصباح، ورشيد وهيفاء، وكان مدرسته الاولى، هى الكلية العلمية الوطنية فى دمشق دخل اليها فى السابعة من عمره، وخرج منها فى الثامنة عشر يحمل شهادة البكالوريا الاولى، ومع ذلك تعلم القبانى قصائد عمرو بن كلثوم، وزهير،والنابغة وطرغة والشعر الاندلى وغيرها.
حياته الشعرية:-
        نشر نزار القبانى مجموعته الشعرية الاولى "قالت لى سمراء" فى ستمبر1944م. نقده على الطنطاوى فى مجلة – الرسالة- من مارس 1946م. هجا الطنطاوى بكلمات سخرية يقول:[195]
        طبع فى دمشق كتاب صغير، غلافه نائم، فيه كلام مطبوع على صفة الشعر، فيه اشطار طولها واحد اذا قتها بالسنتيعترات....... مع ذلك تجديد فى بحور العروض، وتجديد فى قواعد النحو لان الناس قد ملوا رفع الفاعل ونصب المفعول".
        فأجاب نزار القبانى عن اقواله،....... قائلا : "كلام الشيخ على الطنطاوى عن شعرى، لم يكن نقدا بالمعنى، وانها كان صراخ رجل اشتعلت فى ثيابه النار، كان لحمى يومئذ طريا وسكاكينهم حادة....... هذه خناجير التى استعملت لقتلى".[196]
        وكتابه "طفولة نهد" قد مجموعته الشعرية الثانية، اختار نزال القبانى موضوعا لشعره – المرأة – دون غيرها من الكائنات الجميلة. ظلها على ثلاثة ارباع من فنه، لذا لقب شاعر المرأة يقول عنه العقاد، عباس محمود فى احدى مقالته : "انه دخل مخدع المرأة ولم يخرج منه".
        أن له فكر حرى، كذلك لكل شاعر فكر حرى، يقول القبانى : "رأس الشاعر كبطن المرأة، مجاهيل مقلقة تعتلىء بمحلوقات، لانستطيع تحديد ماهيتها، وجنسيتها، انى اكتب كما اسوق سيارتى، دون ان اعرف شيئا عن ميكانيكية الكتابة او عن ميكانيكية السيارة".



"قصتى مع الشعر"
        كتاب "قصتى مع الشعر" له 253 صفحة يقص نزار القبانى فيه سيرته الذاتية، باسلوب بارع واخراج جميل منسق، يحوى كثير من مشكلات من حياته، اذا قرأنا هذا الكتاب ففتح لنا آفاق الشعرية مع حياته ويشرح لنا شدائد كثيرة التى واجه الناس من مجتمعه"
                يبدأ هذا الكتاب كما يلى :
        "اريد ان اكتب قصتى مع الشعر قبل ان يسكتبها احد غيرى، اريد ان ارسم وجهى بيدى، اذ لا احد يستطيع ان يرسم وجهى احسن منى".[197]يحدث لنا القبانى، اخباره، واسقاره، و اشعاره واصدقائه، واسرته، وداره، ومدرسته، وغيرها ان الاحداث التى حدثت فى حياته بعضها يذكر وبعضها نسي:
        يقول نزار القبانى "قد انسى بعض الشجر، وقد انسى بعض الورق، وقد انسى السماء العصافير التى مرت بالغابة، ولاكننى ساحاول قدر الامكان ان انقل الغابة اليكم بكل جذوعها المبللة وازهارها المتوحشة".[198]
اختار نزار القباني موضوعا لشعره  - المرأة  -  دون غيرها  من الكائنات  الجميلة .  ظلها على ثلاثة  ارباع من فنه ،  - لذا ، لقب ،  شاعر المرأة -  بعض الناس يسألون : " لماذا  تكتب عن المرأة ؟ فقال  : ولماذا لا أكتب  عنها : " [199]
إنه يؤمن  ظاهرة  الألقاب  هذه  لا توجد  إلا لدنيا  .. التى يحملها  الإنسان  أهم من الإنسان ، بل تحول هذه  من نعمة إلى  تهمة ، من وردة الى رمح مزروع .قول  عنه عباس محمود  العقاد في إحدى مقالاته : " إنه  دخل مخدع المرأة ولم يخرج منه "[200] .
إنه كتب  شعرا لنساء ،  وكذلك  رسم التفريق  بين الحب والوهم : الحب عاطفة متداخلة مشتبكة كألوان قوس قزح . يقول ، في بعض الإحيان نحب  المضيفة أو الممرضة ، ليس هذا حبا ولاكفة هلوسة " إن نزار القباني  واجه  مشكلات كثيرة من أمته الناس يهجونه  فأشعاره : اخطر ما فعلته القصيدة العربية الحديثة هو
1                الخروج من الزمن  الشعر العربي الواقف  الى زمن تتمدد اجزاؤه  القصيدة الحديثة جائتنا معها زمنها الخاص ، بعد ان كان جميع الشعراء العرب  يسكنون في زمن واحد.
2                كتب قصيدته ، خد كل العادات والأنماط  اللغوية  والبلاغية التي التصقت بها ولاديا ، مشاعر العرب المبث هو الذي يكتب لغته ،
وفي الجملة : انه اسقط  الوثنية الشعرية اسقط أنماط  اللغوية والبلاغية ، اي أطلق القصيدة العربية من سجنها  ، انه يرى  : الشعر يتجول كالريح بغير وثائق  ثبوتية  ولا تأشيرة خروج حكومية  انه أكد أيضا،كتابة الشعر  عمل من أعمال البشر ، والشعراء  صفة السحرة وأصحاب  الكرامات ، أو  إن الشعر شكل من أشكال النبوة ، إن شاعر  يسمع أصواتا خفية لا يسمعها  الآخرون : إن السماء لا تكتب شعرا ، ولم يتحدث التاريخ عن ديوان شعر اصدره الملائكة : " إذن   ، فالشعر افراز  إنساني ، ولم نسمع أن شجرة صفصاف  كتبت قصيدة ، اولا أن بلبلا نشر ديوان شعر" 
بعض الناس يسمونه شاعر الفضيحة ، الواقع ان القصيدة  العربية  وصلت في نهايات القرن التاسع عشر الى سن اليأس  انه تحولت الى فتاة املها بالزواج  ، بل  إن الشعر هو  وجدان  الأمة المكتوب : الواقع  الشعراء وهم يقلدون قبلهم : الشعراء كثيرون لا يزالون  نائمين في الشارع  لأنهم لا يحفظون  التميمة التي تفتح مغارة  ( على بابا )  بل ، بعض الشعراء ، استطاعوا ان يسافر الى كل العصور ،  مثل طاغور من الهند ، صار قطعة من روح العالم ، ليس : الشعر ما يحتاج على كل إنسان مثل الهواء والماء ، يقول 
" كل شاب بلادي يكتبون الرسائل حبهم الأولى شعرا وكل   الأموات في وطني ينامون تحت رخامة [201] إن قصيدته ( هوامش على دفتر النكسة )  جلبت  شؤونا كثيرا ، كانت الدنيا  ترعد وتمطر على قصيدت إن رجل طالب وزارة الإعلام بمقالته ان يمنع قصيدة نزار القباني : لذا ،  الإمتناع عن إذاعة  قصيدته المغناة من إذاعات القاهرة ، ووضع اسمه على قائمة  الممنوعين من دخول  مصر:
أخيرا  كتب نزار القباني الى سيادة الرئيس  جمال عبد الناصر رسالة واضحة  مع ارسل اليه كتابه ( هوامش على دفتر النكسة ) منها : ......... اوجعني يا سيادة الرئيس ان تمنع قصيدتي من دخول  مصر ، أني نشرت في أعقاب نكسة الخامس من حزيران قصيدة  عنوانها ( هوامش على دفتر النكسة ) اودعتها خلاصة ألمي وتمزقي "
كانت لما نيفستوا  الذي ضمنه إحتجاجه  ومعارضته كتب جمال عبد الناصر الى نزار القباني :   " لم ابرأ قصيدة نزار القباني إلا في النسخة التي ارسلها إلي ،   وأنا لا أجد أي وجه في وجوه  الإعتراض عليها ، ويدخل الشعر نزار القباني الى الجمهورية  العربية المتحدة متى أراد ، ويكرم منها كما كان في السابق " أصدر  نزار القباني  مجموعته الشعرية  ( الرسم بالكلمات ) عام 1966 منها :
                        " فصلت من حلد النساء عبــاءة
                        وبنين أهراما من الحلمـــــــات
                        لم يبق نهد أبيض .... أو أسـود
                        لم تبق زاوية بجسم جمـــــــيله
                        إلا ومرت فوقها عربــــــــاتي   " [202]

"سبعون" لميخائيل نعيمة وكتابه
        ولد ميخائيل نعيمة في لبنان في 17 أكتوبر 1889م، وكان مفكر وشاعر وناقد من ابرز رواد النهضة الأدبية الحديثة. درس ميخائيل نعيمة في الناصرة وروسيا. هاجر إلى الولايات المتحدة 1911م. وكان من مؤسس الرابطة القلمية ومن أركانها مع جبران. وصاحب مدرسة فى الادب، ومن مؤلفاته كثيرة: "الآباء والبنون" و "الغربال" و "زاد المعاد" و "جبران خليل جبران" و "المراحل" و "كان ما كان" و "همس الجفون".
        فأول قصائد نعيمة هى النهر المتجمد" التى نظمها بالروسية اثناء اقامتها فى "بولتا واثم" ترجمها إلى العربية فى نيويورك.
        مارس ميخائيل نعيمة الرسم فىحياته فى نيويورك ونسب ذلك إلى اخيه فاعجب به جبران واستحسته ولاكنه ترك ذلك وبعض هذه الرسوم موجودة فى منزله فى بسكنتا وكذلك مارس نعيمة قرض الشعر ولاكن قيوده وعلى الاخص قيود الوزن والقافية ارهقته ثم وجد ان الشعر نفسه لم يستطع ان يستوعب افكاره وبخاصة الفلسفية منها فانكفأ إلى النثر.
        له كتاب فى سيرته الذاتية اسمه "سبعون يقول فى كتابه " ميخائيل نعيمة فى سبعون":
        هذه السنوات السبعون التى طويتها على الارض حتى الآن – العقود الاربعة الاخيرة منها على الاخص – كانت حقبة عجيبة بما تمخضت عنه من انقلابات عنيفة فى نمط معيشتنا وتفكيرنا. وذلك نتيجة للاختراعات الهائلة التى تفتق عنها الانسان ضمن حين جد ضيق من الزمان، ثم للتيارات العنيفة التى تفجرت فى دنيا السياسة والاقتصاد والاجتماع وكأنها الحمم من البركان، حتى ليبدو الانسان مثلى ان العالم الذى ولد فيه هو غير العالم الذى يعيش فيه اليوم". [203]
ويقول أيضا : " وأذكر ذات مساء ، وقد عرفت أن أخوي ذاهبان إلى الكنيسة ، كيف رحت أتوسل إليهما أن يأخذاني معهما . وعندما رفضا لعلمهما أنني لا أستطيع سلوك الطريق الوعر إلى الكنيسة ، صممت على اللحاق بهما . إلا أنني ما لبثت أن أدركت عجزي . فأخذت أصيح وأعول وأنتحب . وارتميت  على الأرض أذكتها بيدي ورجلي ، والدموع تنهمر من عيني ، وصوتي يبح ويتقطع من شدة النحيب ، وبي غضب عارم من نفسي لأني ما أزال صغيرا . فمتى أغدو كبيرا ؟ فأشفق أخي الأكبر علي ، وعاد يلاطفي لأعود إلى البيت ، فما كنت أزداد إلا نحيبا وإصرارا . وهنا فتقت له حيلة بارعة . فوعدني ، إذا أنا عدت إلى البيت ، أن يأتيني بجرس الكنيسة ، وفعل الوعد فعل السحر في قلبي المتفطر غيظا . وعدت أدراجي ، ونمت ليلتي تلك وأنا أتوقع أن أقوم في الصباح فأجد جرس الكنيسة بجانبي ....
ما تزال ماثلة في ذهني ذكرى دقيقة رفعتني فيها أمي على ذراعيها ووقفت بي أمام المرآة التي وصفت في الفصل السابق ، ثم قالت لي : " انظر . هذا مخول الصغتور " . إنها المرة الأولى التي فيها رأيت وجهي . وأخذت أحدق إلى ذلك الوجه فما أصدق أنه وجهي . فأنا أعبس وآونة أبتسم . ويزعدني من ابتسامتى أنها تبدو كئيبة . ومن بشرتي أنها سمراء . وكنت أودها شقراء . ثم يزعدني أنني ما أزال صغيرا فلا أستطيع الوصول إلى المرآة العجيبة إلى على ذراعي أمي .
قلت إنه كان لي خالان : إبراهيم وسليمان . وكانا قد هاجرا منذ سنين إلى مصر حيث كانا يتعاطيان بعض المقاولات . وكان إبراهيم أكبر هما وأقدرهما . فما عتم أن جمع ثروة لا يستهان بها  ، وأصبح ام مركز مرموق حيث كان في مصر . وأوفد أخاه إلى بسكنتا ليشرف على بناء " حارة قرميد " لهما . وتم بناء الحارة وتأثيثها وزخرفتها فكانت أفخم بيت في القرية ومن أولى الحارت المسقوفة بالقرميد الاحمر . وكانت غير بعيدة عن بيتنا . وإني لأذكر الشعور الغريب الذي تولا ني يوم أخذتني أمي إليها من بعد أن تم تأتيثها وعاد خالي إبراهيم من مصر لتمضية الصيف في ربوعنا .
لقد أذهلني ان أصعد إلى الدور العلوي من تلك الحارة على درج من حجر منحوت يصون جانبا منه درابزون من الحديد ، وتزين الدرابزون رمانات من نحاس ، وأذهلني أن أدخلها من بوابة عالية في إحدى درفتيها مطرقة في شكل يد . وتتعاظم دهشتي إذ أراني أدرج على ملاط نظيف ، مصقول فأكاد أنزلق عنه ، ثم إذ أراني في بهو كبير مليء بالمسلمين بين رجال ونساء ، جدرانه مزركشة بالخطوط الملونة ، وسقفه مزخرف بالرسوم ، فهناك العنب والتفاح والأزاهير والعصافير والحمائم  وهناك فوق " الواجهة " الزجاجية أسدان متقابلان . ويكاد قلبي يقفز من صدري ، وعيناي من وجهي ، عندما تقودني أمي إلى الصالون حيث المقاعد المخملية ، والكراسي الهزازة ، والمرايا  المتألقة ، والسجاجيد العجمية ، والستائر المقصبة والمذهبة . فأقول في نفسي : " هذا بيت ! ولماذا لا يكون لنا بيت مثله ؟ " وأشعر لأول مرة بالفروارق بين حظوظ الناس ، ويوجعني أن يكون حظنا أقل بكثير من حظ " بيت خالي " ، ويسعدني في الوقت ذاته أن يكون لي خالان " عظيمان " مثل خالي إبراهيم وخالي سليمان .
ويدعوني خالي إبراهيم إليه ، ويرفعني بيديه إلى حضنه ، ويقبلني ثم يسألني إذا كنت من " بيت نعيمة  "   أو من " بيت خلف " أي إذا كنت أنتمى لعائلة أبي أو لعائلة أمي . وتسطو علي هيبته : شارباه الكثيفان الممسدان ، وتقاسيم ووجهه الوسيم ، والرجولة التي في وجهه ، ويبهرني هندامه الفرنجي الذي لا يشبه في شيء هندام الرجال الذين عرفتهم . وبالأخص سلسلة ذهبية تتدلى من عروة في صدريته . وأرتبك أشد الارتباك مخافة أن أجيبه بما لا يريد . وإذ يكرر علي السؤال أعود فأستجمع وعيني وأجيب بصوت خافت : " أنا من بيت نعيمه " . فيقبلني ثانية . وعندها يدور بيني وبينه حوار كنت قد لقنته من قبل وأتقنته وكان يعرف أنني أتقنه .  [204]

        يقول ايضا عن كتابه "سبعون" وقد رأيت ان اقسم العمر الذى اكتب عنه إلى مراخل ثلاث، الاولى من الطفولة حتى نهاية دراستى فى روسيا والثانية من بدء هجرتى  إلى الولايات المتحدة وحتى عودتى منها. والثالثة منذ عودتى وحتى اليوم – ولاآن قد فتحت لك باب هذا الكتاب على مصراعيه، فلنعد سبعين عاما إلى الوراء – اذا كان فى الزمان من "وراء" ومن "امام".[205]
        وكان اسلوبه رائع وجذاب إلى اعماق قلوبنا، يصف نعيمة عن طفولته:
        "فانا اذكر – فى ما اذكر – نفسي محمولا على كتف امى إى الكنيسة. اما كم كان لى من العمر ليهون حملى على الكتف فلست ادرى. واذكر اللهجة التى اشاعتها فى نفسى الشموع المضاءة فى الكنيسة، ورائحة البخور، واثواب الكاهن المزركشة. مثلما اذكر الاتزعاج الذى سببه لى صوت احد المصلين صلعته الهائلة، ثم منظر صورة فى الحاجر القائم بين المصلين والهيكل". [206]
        وكذلك يبين توفيق الحكيم فى كتابه عن اسرته وابيه وامه وجدته.... وقريته، ودراسته..... وغيرها، ومعها يصف توفيق الحكيم صورة صادقة عن مجتمعه باسلوب ممتاز ورائع:


"قصة حياتى" لأحمد لطفى السيد باشا
        ولد احمد لطفى فى سنة 1872. وكان رجل كبيرا من رجال مصر والبلاد العربية، اسهم فى المجلات السياسية والفكرية والاجتماعية والتعليمية عشرات السنين.
        أصدر جريدة "الجريدة" 1907، وكانت لسان حزب الامة، له مؤلفات كثيرة فى مجالات مختلفة. بدأ تعليمه من قريته، ثم انتقل إلى المدارس النظامية فى سن العاشرة، وكان حياته حافلة بالسياسة مصر. له كتاب فى سيرته الذاتية – "قصة حياتى".
        قصة استاذ الجليل أحمد لطفى السيد باشا، هى قصة حياةرجل كبير من رجال مصر والبلاد العربية، اسهم فى المجلات السياسية والفكرية والاجتماعية والتعليمية عشرات سنين، لهذا الكتاب 208 صفحة، و 15فصلا، يداول أحمد لطفى فى كتابه عن اشتغاله بالسياسة مصر، واشتغاله بالصحافة وغيرها.
        يصف أحمد لطفى فى الفصل الثانى، كيف بدأ اشتغاله بالسياسة وهو طالب فى مدرسة الحقوق، وكيف اشتغل بوظيفة "وكيل نيابة" فترة قصيرة من الزمان، واستقال بعدها، ثم يداول علينا فى الفصل الثالث حياته الصحافة ويشرح علينا كيف أصدر جريدة "الجريدة" 1907. عالج احمد لطفى فى جيدته عن الافعال الرديئة التى حدثت من حكومة الإنجليزية فى مصر، مثل – حادثة دنشواى وحادثة الهماميل، وحادثة العقبة، وحادثة فاشودة وغيرها: فكتاب "قصة حياتى" فيه قصة احمد لطفى وقصة مصر.
"طفل من القرية" لسيد قطب
        ولد فى قرية فيها، بمحاوطة اسيوط بمصر، اتمم دراسته الثانوية فى القاهرة، وتعلم فى كلية دار العلوم القاهرة لاربع سنوات وقد حصل على شهادة الليسانس فى الآداب مع دبلوم فى التربية من جامعة القاهرة سنة 1933م.
        ألف كتبا كثيرة عديدة مستمدا فى القرآن والحديث فى ضوء الظروف العصرية. وانه كتب سيرته الذاتية كما كتب طه حسين سيرته الذاتية. اهدى السيد قطب كتاب ’سيرته الذاتية‘ إلى عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، هدية مشابهة بنوعها فى الاهداء الذي يزين به صاحب كتاب ناشئ تأليفه باسم قطب من أقطاب زمانه.
        أهدى السيد قطب في كتابه "طفل من القرية" إلى الدكتور طه حسين ويقول :
        "أنى صاحب كتاب الأيام.... الدكتور طه حسين بك، أنها ياسيدى أيام كأيامك، عاش طفل من القرية فى بعضها من أيامك مشابه، وفى سائرها عنها اختلاف، الاختلاف بمقدار ما يكون بين جيل وجبل، وقرية وقرية، وحياة وحياة, بل بمقدار ما يكون بين طبيعة وطبيعة، اتجاه واتجاه، ولاكنها، بعد ذلك كله – ايام من الأيام".
"طفل من القرية"
        كتاب "طفل من القرية" فإنها حسب قول السيد قطب صورة حياة القرية عاصرة طفولتى منذ ربع قرن من لزمان مع ذلك هو قصة حياته ويشتمل على ماتين وعشرين صفحة لقد وزع قطب كتابه "طفل من القرية" إلى اثني عشر بابا، هي "المجذوب"، "وضابط الجمباز" و "المدرسة المقدمة" و "بعثة طيبة" و "سيد الحكيم" و "المفاريت" و "حركة ثقافية" و "قانون اللصوص" و "جمع الاسلحة" و "حصاد" و "احزاب الريف" و "الرحيل".
        نجد فى الكتاب صورا حافلة للحياة الريفية المصرية فى الربع الاول من القرن العشرين. فقد اتبع اسلوب طه حسين فى كتابه ايام اتباعا ظاهرا، ومن ابسط مظاهر ذلك الاتباع استخدم قطب ضمير الغائب مكان ضمير المتكلم كداب طه حسين. فارق هام هو ان طه حسين تجاوز فى ثبت ذكرياته إلى ما بعد مفادرته لقريته من ايام تعلمه فى الازهر، حيث ان قطب اسدل الستار عليها عند مفادرته لقريته قاصدا القاهرة ولما يناهض الخامسة عشرة من سنة.

ويصور سيد قطب  تصورات أهل القرية عن العفاريت تمثل جهلهم وسذاجتهم بصورة أكثر وضوحا : " ان كل شيئ في القرية يوحى بأسطورة العفاريب .. لقد كانت " الفغاريب " شخوصا ماثلة في كل ذهن ، مذكورة على كل لسان ، يحسب لها حساب في خطوات الناس وفي حركاتهم بالليل والنهار " . وكانوا ينسبون إلى العفاريب كثيرا  من الغيبيات وما تقدر على الخير والضر للإنس . وكانت تنتقل تلك التصورات الخرافية من جيل إلى جيل في صورة أساطير غريبة ومغامرات موهومة حتى كانت تظهر الأشياء الحقيقية في كثير من الأحيان أطيافا وعفاريت . وبعد تخيم الظلام عند المساء كان يظهر كل قط أو أرنب وكل خروف أو حمار في الحقول عفاريت ، وظل الأشجار في الليالي القمراء يخيل طيف عفريت ، وذبابة خضراء تمثل روحا من الأرواح . وعجوز القرية الخرفة الهائمة في الليل تشبه بالجنية . والخيال القروي الساذج يفسر كل الحركات والظواهر والأشباح في إطار التصور الخرافي . ورغم أن في نفوسهم مكانة مرموقة واحتراما كبيرا لخريجي الأزهر ويقدسون العلماء ولكن منزلة " المجاذيب والأولياء " تفوق على مقامهم ،، لما للآخرين قوة مسخرة للعفاريت والجنيات . وكانو يعتقدون أن العفاريت تحسد الأطفال الجميلة فتبدلهم أو تهلكهم . بل وقد حدث أن ولد شقيق للطفل كان جميل الطعة فزاد ذلك في سرور الأسرة وتهيأت الأسرة لإقامة " المولد " تنشد فيه الأناشيد ويتلو فيه بعض القراء القرآن وتوزع الحلويات على الأهل والجيران والأطعمة على الفقراء ، غير أن الطفل " قد بدأت تبدو عليه أعراض غريبة ابتداء من اليوم السادس وشيئا فششيئا استحالت هذه الأعراض نوبات عصبية ، يختنق فيها الطفل ، ويرغى ييزبد ، وتربد سحنته وتسود ، ويبدو أنه يعاني ألما لا يطاق .. ثم تهدأ النوبة فيهدأ ويروق .. حتى تعاوده من جديد " وشاع الجنية القرينة " ولا شك غاظها جمال الطفل ونموه ، وهاجها الحسد الذي انطلق حول العائلة ، فأخت في خنق الوليد ! " . ومع أن والد الطفل لم يكن يعتقد في مثل تلك الأساطير إلا أنه تحت الضعف النفسي أمام الخطر اضطر أن يترك سبيل التعقل ويسلك طريق الخرافة .. وتولت خالة الطفل المهمة " لتطوف به على الأولياء : الأحياء منهم والأموات ، علمهم يستنقذون حياته المهددة من القرينة الثائرة " لكن جميع المحاولات والوصفات ذهبت رمية البذور في الهواء وما أغنى أي شيئ من الآفة وأصبح الطفل ضحية الكارثة . والآن يدرك الطفل – سيد قطب وهو في الأربعينات من عمره – حقيقة الآفة التي اختطفت الوليد الجميل . ويقول معلقا عليها وساخرا من الجهالة التي كانت تسود القرية : " وفي اليوم السابع كان الوليد قد لفظ أنفاسه الأخيرة في نوبة من هذه النوبات الحادة ... كان " التيتانوس " قد قضى عليه ، لأن " القابلة "  - المولدة – لم تعقم السكين التي قطعت بها الحبل السري ، وميكروبات التيتانوس عالق بها ، فتسمم الجرح ، وبقى حتى استكمل مدة الحضانة ، وهي تتراوح بين أربعة وستة أيام ... وبذلك أتمت القرينة مهمتها وشفت غيظها من الوليد الجميل ! " ومثله قصة صديقه الحميم " جمعة " الذي لم يتمالك قواه وفقد توازنه عندما قفز قط من الطاحونة وتأرجح في اتجاهه خوفا من الأطفال إذ كانوا جا لسين في القمراء قريبا من الطاحونة فغشى على " جمعة " وشقت عليه النوبة ولم ينقذه أي شيئ من المس حتى فارق الحياة ! ، وكبر الطفل ومرت الأيام وغادر القرية وتثقف في المدينة ولم تعد أسطورة العفاريت إلا فكاهة عنده ولكن " ولكن أسأل أحلامه اليوم وراءه .. إنها لتنبؤك أن اسوطورة العفاريت أعمق في نفسه من الثقافة . وأن العفاريت التي رافقت عقله في طفولته وصباه ، ستطل ترافق خياله على مدى الحياة "[207].
رغم جميع المعتقدات الخرافية ، إن لحياة أهل القرية علاقة وثيقة بالشعائر الدينية الإسلامية . تظهر مظاهرها في جميع نشاطاتهم ومعاملاتهم ولم أن معتقداتهم الدينية أيضا قد تسربت غليها أشياء خرافية أسطورية .
إن للقرآن منزلة روحية في قلوبهم ويتبركون به . إن الأطفال يحفظونه ، وهناك رواج ترتيله وتلاوته في سائر القرية ، والقرآن متاع الفخر والاعتزاز يتقربون به إلى الله ويزيلون به الأرواح الخبيثة ويعوذون بىياته من العفاريت ، وتعقد حفلات " الختمة " في مواعيد خاصة تيمنا منه ومغفرة للأموات " .. كانت طائفة القراء في القرية محسودة ، وكان الإقبال على تحفيظ القرآن شديدا . فالقارئ مكفول الرزق معظم أيام السنة ، وهو يظفر من الطعام بما لا يظفر به كبار أثرياء القرية في كثير من الأحيان .. ثم هو يتناول بعد ذلك كله أجرا قد يبلغ خمسة قروش في  كل ختمة ، وإن كان المتعارف أن يكون نصف هذا المقدار ..
وعندما يطرد الشيخ القرئ من المدرسة – التي كان يعمل فيها مؤقتا – يشيع هو أن الحكومة تريد محو القرآن وإلغائه من منهاج المدارس ، تثير تلك الإشاعة حماسة أهل القرية ويسحب معظمهن وأطفالهم من  المدرسة ويرسلونهم الى إلى الكتاب .. ثم هناك البخاري الذي له عظمة غريبة في قلوبهم وهو أن أحدا عندما يحلف بالبخاري تحل عليه النقمة ما لا تحل عليه لو حلف بالله أو بالنبي أو بالمصحف حلفا كذبا : " أما اليمين المرهوبة المفزعة التي تهز أعصاب الحالف هزا ، والتي لا يقدم عليها إلى من كان واثقا من صدقه ، أو مستعجلا أجله ، فهي يمين البخارى .. ما أن يضع السارق يده على البخاري ويغمض عينه حتى يرتجف وينتفض جسده ، وتقول وتهبط دقات قلبه ، وتبدو عليه علامات الفزع الكامل ، فيتعرف في الحال أو ينكل عن اليمين فيدل على نفسه بهذا النكول .. فإذا هو خاطر وأقدم ، فلن يكمل ثلاثة أيام ، حتى ينفذ فيه البخارى ، فيقع له ما يققع من ال؛داث وكثيرا ما يكون ذلك اختلاطا في عقله واضطرابا في أعصابه يفضى به غالبا إلى الموت أو إلى الجنون " .. وإن في القرية حوالي عشرة مساجد ويفد إليها أهل القرية باهتمام ، كما يهتمون برمضان يسحرون لياليه يتلون القرآ، وصنعون أطعمة خاصة وتضاء المصابيح على الأبواب ، إنه شهر النور والبركة وإن العفاريت تقيد فيه فلا خوف ولا روعة .. وكذلك لخريجي الأزهر مكانة خاصة وحرمة عندهم تبلغان حد التقديس " ولهم فيها مقام ملحوظ واحترام كبير . فأيديهم تقبل من الجميع ، كما لو كانوا أولياء " .
والذين يدرسون في مدرسة القرية يسمونهم " أفنديات " يحتلون منزلة الحرمة والاحترام عندهم " لقد كان يكن للأفنديات نوعا من الشعور يشبه العبادة .. فهم أولا : جزء من المدرسة المقدسة ، وهو مثانيا : أولئك الذين يعلمون ما لا يعلم ، ويدركون ما لا يدرك ، ويقدرون على كل شيئ ولهم حياة خاصة لا يدرك لها كنه كحياة الأطياف ! . " ([208])
        لاشك، ان هذا لكتاب ايضا، تاريخ للحياة الاجتماعية والاقتصادية فى الريف العصرى فى تلك ايام، كما ذلك الكتاب لطه حسين "أيام". يقول قطب فى كتابه:
        "قليل من هذه الصور زال الان وحلت محله صور جديدة..... والكثير منها لايزال يعيض، ولاكن اهل المدينة المترفين لايكادون يتصورون لا فى عالم الواقع ولا فى عالم الخيال....... وفى تستجيله هنا ما يطلع الجيل الجديد على صور من الريف القومى بخيرها وشرها، لمل لهم رايا فيما ينبغى ان يبقى منها وما ينبغى ان يزول".
"سيرتى" لشيخ محمد عبده
        ولد فى قرية محلة نصر بمحافظة البحيرة سنة 1849م فكانت اسرته لحات إلى بدة "حصة سبشير" اثر الاضطهادات العثمانية وخوفا من حكام قرية "محلة نصر". وفى السابعة بدا تعلمه بالقرية فقرا وتب وحفظ القرآن الكريم. وفى عام 1862 ذهب إلى طنطا وحضر دروس تجويد القرآن، لاكن اساليب الدراسة العقيمة صدته عن متابعة الدرس فرجع إلى قرية عام 1865م. وتزوج وقرر الاشتغال بالزراعة، لاكن اصرار والد اعاده إلى الدراسة بطنطا فى العام نفسه.
        التقى بخال ابيه الشيخ درويش خضر وتعلم منه درسا فى الصوفية شجعته على العلم فالتحق بالازهر عام 1866م. وكان فى الازهر حزبان محافظ تقليدى وآخر صوفى اقل تقليدتة فحضر محمد عبده دروس الجانبين وانتسب إلى الجانب الثانى.
        نزل جمال الدين الافغانى فى مصر للمرة الثانية عام 1871م فالتحق محمد عبده بدروسه وحول تصوفه من ممارسة منقطعة فى المسجد إلى ممارسة فى الاتصال بالناس، من التنسك إلى الفلسفة الصوفية. كتب باسمه فى الاهرام اول مرة 1871 وكان يلقى دروس المنطق والفلسفة، ويعلق على كتب ترئية وغريبة يدور فى هذا الاطاره وقد عين مرسا للتاريخ بدار العلوم فدرس مقدمة ابن خلدون، وعين مدرسا لعلوم العربية فى مدرستى الالن والادارة.
        شارك الافغانى فى تنظيماته السرية، ودخلا الماسونية متاثرين بمقاومتها للاستبداد فى العصور الوسطى ومشاركتها فى فكر الثورة الفرنسية، ثم خرجا منها لانهما رابها تهادن الايبداد، ولم تكن قد ظهرت صلتها بالصهيونية فى العالم العربى.
        عين عام 1899 مفتيا للديار المصرية وعضوا فى مجلس الاوقاف الاعلى فسعى إلى اصلاح الاوقاف واصلاح المساجد، ثم صار عضوا فى مجلس شورى القوانين واسس عام 1900 حمعية احياء التراث العربى وساعد فى نثر وتحقيق عديد من كتب التراث.بدأ فى تفسير القرآن وواصل تلميذه رشيد رضا تفسيره بعد وفاته.
        استقال الامام عام 1905 احتجاجا على محاولات الخديوى عباس لمنع الاصلاح فى الازهر. وتوفى العام نفسه.
        كتب الشيخ محمد عبده سيرته الذاتية بعنوان "سيرتى". تناول بها حياته وسيرته ودراسته واعماله وغيرها. ويشتمل على خمسة وعشرين صفحة. يصور الشيخ محمد عبده طفولته واسرته ومكانة ابوه فى نفسه الصغار يقول عنها:
        " اول ما عقلت من انا، ومن والدى، ومن والدتى، ومن هم اقاربى، وجيران بيتى، عرفت انى ابن "عبد خير الله" من مكان قرتسة "وسحلة نصر". ووقر فى نفسى احترام والدى، ونظرت اليه اجل الناس فى عينى، وسكن من هيبته فى قلبى مالا اجده لاحد من الناس اليوم عندى، اما عوامل هذا الاحترام وذلك الاجلال فاتذكر منها. قلة الكلام امامى ووقار كان فى الحركات والاعمال والهيأة، والتنزه عن مخالطة الصغار من الناس، ومشاهدتى اهل بلده بحترمونه ويبالغون فى توقيرهم اياه، وانفراده بالطعام دون والدتى واخواتى". يعالج الشيخ محمد عبده حياته وطفولته ودراسته بينما يعالج عن فكرته عالية، وارتفع صوته فى كل سطور بالدعوة، منها تحرير الفكر من قبد التلقيد. يعالج محم عبده فيه احوال امته وبيئته، وله صوت رفيع فى اصلاح اساليب للغة العربية فى التحرير سواء كان فى لمخاطبات الرسمية بين دواوين الحكومة ومصالحها. [209]
يحاول عن تعليمه من الشيخ دويش حضر وتعلم منه دروسا فى الصوفية شجعته على العلم فالتحق بالازهر عام 186. وكان فى الازهر حزبان محافظ تقليدى وآخر صوفى أقل تقليدية فحضر محمد عبدة درس الجانبين وانتسب إلى الجانب الثانى:
        ينتهى هذا الكتاب بقصديته "الوادع" التى انشدها الاستاذ قبيل وفاته، وهو على فراش المرض، وهى مع القصيدة التى كتبها عن احداث الثورة العرابية من سجنه عقد قثلها. قال :
        "ولست ابالى أن يقال محمد
                        ابل أو اكتظت عليه اماتم
        ولكنه دين أردت صلاحه
                        أحاذر ان تقضى عليه العمائم
        وللناس أمال يرجون نيلها
                        إذا مت ماتت واضمحلت عزائم
        فيا رب ان قرت رجعى قريبة
                        إلى عالم الأرواح وانفض خاتم
        فبارك على الاسلام وارزقه مرشدا
                        رشيدا يضيئ النهج والليل قاتم
        يمائلنى نطقا وعلما وحكمة
                        ويشبه منى السيف والسيف صارم
        ويخرج وحى الله للناس عاريا
                        عن الرأى والتأويل يهدى ويلهم [210]
"قصة حياة" لإبراهيم عبد القادر المازنى
        يرجع اصل المازنى إلى بلدة "كوم مازن" بامنوفية، وقد ولد فى 19 من اغسطس سنة 1890 مدينة القاهرة واتم دراسته الابتدائية بمدرسة القربية ودراسته الثانوية بالمدرسة النوفيقية الخديوية.
        وكان يشتهى ان يكون طبيبا، ويعلل ذلك باسلوبه الساخر قائلا : "لان الطبيب لبس كمثله احده يقتل الناس وياخذ كرا يد"، ولذا التحق بمدرسة "كلية" الطب، ولكنه لم يلبث ان تركها لان عفن جئة احدث له اغماء قطرده ناظرها الإنجليزي، فاتجهت امنيته إلى مدرسة الحقوق ولكنه فوجئ بزيادة اجور التعليم بها فعلل عنها إلى مدرسة المعلمين العليا (الخديوية يومئذ)، وكان من زملائه فيها يومئذ الاديب عبد الرحمن شكرى. وقد تخرج الاثنان عام 1909 وارسل شكرى فى بعثه إلى جامعة شيفلد بانجلترا حيث حصل على درجة بكالوريوس فى الاداب عام 1912.
        وللمازنى عدة كتب منها :
        الديوان، فى نقد الشعر، بالاشتراك مع المرحوم عباس العقاد، حصاد الهشيم "مقالات" – ابراهيم الكاتب – قبض الريح – صندوق الدنيا – رحلة الحجاز – بشاربن برد – الكتاب الابيض الانجليزى – مسرحية "غزيزة المرأة" – ميدو وشراه – ثلاثة رجال وامرأة – ابراهيمالثانى – اقاصيص – ع الماثى – من النافدة.
        ومن متر جماته : رباعيات الخيام – الاباء والابناء لتور جنيف – سانين لارتز يباشف.
        وله إلى جانب كل ذلك من المقالات ما كان يوم كتابته زاد لقراء اللغة العربية.
        وانتقل المازنى إلى جوار ربه فى العاشر من اغسطس سنة 1949.
        انه يداول فى كتابه "قصة حياة" عن حياته الطفولة وحاته المجرسية والصحفية وغيرها.
        اما المازنى فقد اشتغل بالتعليم فى المدارس الاميرية اذ عين مدرسا للترجمة بالمدرسة السعيدية، وكان من تلاميذه فيها الاساتذةفكرى اياظة وعبد الرحمن عزام وآخرون. ثم نقل إلى المدرسة الخديوية فدار العلوم مدرسا للغة الإنجليزية. واخيرا اثر ولوج ميدان التعليم الحر فاشتفل مدرسا بالمدرسة الاعداية احدى كبريات المدارس الثانوية الاهلية يومئذ، وكان من زملائه فيها الاتاذان عباس محمود العقاد واحمد حسن الثانوية واخيرا عين ناظرا للمدرسة العصرية الثانوية.
المازنى المدرس:
        اشتغل المازنى بالتدريس نحو عشر شنوات يقول عنها : " وفى هذه السنوات العشر لم احتج ان اعاقب تلميذااو اوبخه او اقول له كلمة نابيةن ولم قصر التلاميذ فى محاولة المماكسة، ولكننى كنت حديث عهد بالتلميذة وبشقاوة التلاميذ، فكنت اعرف كيف اقمع هذه الرغبة الطبيعية فى الشقاوة".
المازنى المترجم :
        وقد شغل المازنى اكثر وقته خلال فترة التدريس فى الترجمة عن الإنليزية واليها وهذا ا اكسبه مرانا وحنكة قلما توافرا لغيره، حتى لقد قال عنه العقاد: لست اغلو اذا قلت انى لا اعرف فيما عرفت من ترجمات للنظيم ووالثر اديبا واحدا يفوق المازنى فى الترجمة من لغة إلى لغة، ويملك هذه القدرة شعرا كما يملكها نثرا، ويجيد فيها اللفط كما يجيد المعنى والنسق والطلاوة".
المازني الصحفي :
        ولما ثبت الثورة المصرية سنة 1919 ترك التدريس وولج ميدان الصحافة، وقد عمل مع أمين الرافعي فى جريدة الأخبار ومع عبد القادر حمزة في بلاغ ورأس تحرير جريدة الاتحاد كما عمل في صحف دار أخبار اليوم، فى كثير من الصحف والمجلات، يعالج الأدب والنقد والاجتماع، كما كان يعالج الموضوعات السياسية بروح الكتاب المستقل.
        وكان يرغم عنفه فى مهاجمة خصومة ودفع عدوانهم علبه مذهب اللخط، عفا، مؤدبا ينأى عن الصغائر ويرتفع عن التجريح، وكان شجاعا فى ابداء رايه، وفى العدول من هذا الرأي اذا ما تبين انه كان مخطا.
        هاجم شوقي الشاعر ووصفه بأنه قطعة متلكئة من قديم الزمن... قلما مات شوقي رئاه وقال انه ظلمه حن جرده من مكانته. ووصفه بأنه شاعر عظيم وان فقده خسارة لا تعوض.
المازنى الشاعر :
وكان المازنى فى مقدمة شعرائنا المجددين الذين حملوا راية الإبداع والتجديد وكان من زملائه في محركة الدعوة إلى التجديد : شكري والعقاد وأبو شادي.
كان المازنى يشكو من سوء صحته وقصر قامته "ولمته الموخوطة" على حد تعبيره، كما كان يشكو من العرج، وقد اشار إلى ذلك فى بعض ما كتب وانتهى به الأمر إلى أن اغرق فى وصف نفسه تصويرا يبعث على الضحك، بينما هو محزون متالم.
        وقد اختار، المجمع العلمى العربى بدمشق عضوا مراسلا له، كما اختاره مجمع اللغة العربية بالقاهرة عضوا عاملا به سنة 1949. وعلى رغم من ان المدة التى قضاها المازنى فى عضوية المجمع كانت قصير فانه اسهم بنصيب كبير فىاعماله فاشترك فى لجنتى الاداب ورسم الحروف، كما اختبر ليمثل المجمع فى الاحتفال بمرور 75 عاما على المجمع البولونى للعلوم والاداب.

فالمؤلف يصدر كتابه بهذه العبارة " هذه ليست قصة حياتي وإن كان فيها كثير من حوادثها والأولى ان تعد قصة حياة " ([211]) . ولسنا ندري بالتحديد المعنى الذي يقصده مؤلف حصاد الهشيم ، فهل تغلب طبع المرح ، شأن المؤلف دائما ، فأراد ان يراوغ ويباعد ام كان المؤلف وهو يصدر كتابه على وعي بطبيعة كتابه وبطبيعة الجنس الأدبي الذي ينتمي اليه ؟ والكتاب في الحقيقة متقطع يكثر فيه الاستطراد الذي يفسره الكاتب وهو على وعي بخطورته في كتاب يريد أن يكون في السيرة الذاتية فيقول مثلا : " ولماذا اكتب كل هذا ؟ ما صلته بموضوع الكتاب ؟  لا أدري ، سوى اني لطول اعتباري ان اتدبر نفسي وأدير عيني في جوابها ، أصبحت أعتقد أني استطيع أن أعرف الناس بنفوسهم إذا وسعني أن اكشف لهم عن عيونهم صورة صافية ،   لا مزورة ولا مموهة  ،  من هذا الإنسان الذي هو أنا والذي هو أيضا كل امرئ وغيري " ([212]) . وهو في موطن آخر من الكتاب يستطرد كذلك على هذا النحو : " وأمر آخر اردته وأظنه مما ساقني فاستطردت ، ذلك أن الناس أشباه متماثلون وإن تفاوتت بهم الاموال ([213]) . اشتغل المازني بالتدريس نحو عشر سنوات يقول عنها : " وفي هذه السنوات العشر لم احتج ان اعاقب تلميذا او اوبخه او اقول له كلمة نابية ، ولم قصر التلاميذ في  محاولة المعاكسة ، ولكنني كنت حديث عهد بالتلميذة وبشقاوة التلاميذ ، فكنت اعرف كيف اقمع هذه الرغبة الطبيعية في الشقاوة " ([214]) . ويصف بالكاتب حبه الأول حين كان في الثالثة عشرة من عمره : " ... وكان حب هذه الفتاة ينمو على الايام ، كما ينمو شعر رأسي ، وقد تحولنا الى بيت آخر وبعدت الشقة جدا ولم يكن ليمنعني أن اقطع المدينة من أولها الى آخرها سيرا على القدمين كل يوم لأزورها ، وثابرت على حبها اعواما طوالا ثم زوجوها في الارياف ، فغابت عني ، فغاب الخير والأنس وغاض السرور من نفسي ، وأظلم القلب... " ([215])
        يقول محمد يوسف كوكان فى كتابه "اعلام النثر والشعر فى العصر للعربى للحديث ج/3:  "وله كتاب "فى الطريق "كتبه فى سنة 1936م صوز فيها ذكرياته عن ابنته الصفية التى اختطفتها القدر وما كانت تأتيه من لعب وعبث تشجى القلوب وتدمع العيون".
        ق بحثنا عن كتابه "إلى الحجاز" تحت عنوان كتب الرحلات فى الادب العربى الحديث.
مقدمة كتاب "الشوقيات".لأحمد شوقى
ولد احمد شوقى فى حى الحنفى بالقاهرة، درس الحقوق فى مصر وباريس، فى سنة 1927 اجتمعت فى القاهرة وفود من معظم الأقطار العربية، وبايعوا "شوقى" امير للشعراء. توفى شوقى فى 13 اكتوبر 1932، وترك زوجته وولديه "حسين وعلى وابنته امينة واحفاده طبع بعض شعره فى ديوانه خلال حياته، ثم طبع مرّة اخرى بعد حذف قصائد واضافة اخرى. انه كتب مذكراته فى مقدمة كتاب "الشوقيات".
"أم القرى" للشيخ عبد الرحمن الكواكبي
        ولد الكواكبي في حلب في 2 شوال سنة 1371هـ. وتلقى مبادئ العربية والدينية الإسلامية والعلوم الشرعية من أبيه الشيخ أحمد بهاني من مسعودا الكواكبي في المدرسة الكواكبية، وأتقن العربية والتركية والفارسية منه ومن غيره مثل  الأستاذ  رشيد افتدى ووقف على العلم الرياضية والطبيعية وغيرها. من العلوم الحديثة فبعد أن حذق اللغات عكف يطالع بنفسه المجلات والكتب الاجتماعية والعلمية وكان له حظ وافر من فنون لسياسة والعمران والاجتماع. زاول الصحافة هو شاب في الواحدة والعشرين من عمره، وكان ميالا من حداثته إلى صناعة القلم فقد عينه 1875م محررا لجريدة "فرات" الرسمية، وكانت تصدر باللغتين العربية والتركية، حررها خمس سنوات ثم تركها. وعين في عدة وظائف حكومية في المعارف والقضاء، ومازال ينتقل من وظيفة إلى أخرى حتى عين رئيسا للبلدية. لم تطف نفسه قيود الوضيفة فتركها، وأصدر جريدة باسم "الشهباء" هي أول جريدة سياسية صدرت في حلب، فلم يكد يفصح عن ميوله الإصلاحية حتى أوقفتها الحكومة، وبعد فترة أصدر جريدة ثانية باسم "الاعتدال" لم يطل عمرها. ثم هاجر إلى مصر وهناك ظهر فضله وشاع ذكره، ولاسيما بعد أن اخذ مقالات في جريدة "لمؤيد" واتصل بجمال الذين الأفغاني والشيخ محمد عبده وغيرهما من زعماء الإصلاح[216].
        قام برحلات واسعة إلى سواحل أفريقيا الشمالية والجنوبية. ومنها دخل الحبشة وسلطنة   الإسلامية والصومال، ثم سواحل آسيا الجنوبية، ومن سواحل المحيط الهندي دخل بلاد شبه الجزيرة فتجول على متون الجمال نيفا وثلاثين يوما، واجتمع إلى أمراء والشيوخ القبائل ودرس أحوال بلاد الاقتصادية، وانتهى من هناك إلى كراتشي، ثم إلى بومباي ومنها إلى  ومراحل الصين، ثم عاد إلى مسقط فسواحل البلاد الشرقية فالبحر الأحمر ثم جاء إلى مصر، وكان يدون خواطره عن كل ما يراه ويشاهده ومن يقابلهم من الملوك والأمراء وجميع من يأنس بهم في تحقيق ميله وفكرته من الإصلاح.
        دوّن فيه من الآثار التاريخية والاجتماعية في خلال رحلته من حلب إلى الإسكندرية إلى بيروت ثم إلى مصر والبصرة ومكة والمدينة وغيرها، وله كتاب آخر في رحلته إلى زنجبار والحبشة وأوسط جزيرة العرب والهند" لذا أنه يعرف رحالة عربيا مشهور[217]
" المنار والأزهر" لمحمد رشيد رضا
        ولد محمد رشيد رضا في القلمون (لبنان)، وهو من علماء الدين الإسلامي، أشهر آثاره مجلة "المنار"، وتفسير القرآن الكريم المعروف بتفسير المنار، وهو تلميذ الشيخ محمد عبده. أحب دراسة اللغة العربية والفرنسية وأجاد في فهمهما، وحبب إليه التصوف والعزلة عن الاختلاط، فأنفق ليله في الصلاة. ونهاره في إلقاء الدروس على من يأتي إليه من الطلبة.
        كان "رضا" ولوعا في نشر اللغة العربية وتعاليم الإسلام، وهدفه الوحيد كان الدعوة  الإسلامية، وإعداد الدعاة، وتدريبهم  وكان يكتب أفكاره وآراءه في مجلة "المنار" التي أنشأها سنة 1898م، وألف شخصيا كتاب "الإسلام وأصول التشريع" وكتاب "الخلافة" و "الوحي المحمدي" فضلا عن فتاوات ضخمة في موضوعات مختلفة ومقالاته العديدة، ورسائله في الجرائد والدوريات. ورحل إلى سوريا وقسطنطينية والهند والحجاز وزار أوروبا. ونشرها في مجلته وعمل وكيلا لجامعة الدعوة والإرشاد وناظر المدرسة وفارق الدنيا سنة 1935م.
        يقول ديفيت ربنولد عن كتاب رشيد رضا وكتابه " المنار والأزهر" هذا الكتاب يعد سيرته الذاتية، يتضمن فيه حياته ودراسته، وظيفته وغيرها[218] ".
" قصة نفسي" لعبد الرحمن شكري
        ولد عبد الرحمن شكري ببور سعيد سنة 1886م. ألحقه أبوه أولا بالكتاب ثم نقله إلى المدرسة الابتدائية، فقد حصل شهادة الدراسة الابتدائية سنة 1900م وانتقل إلى الإسكندرية حيث حصل على شهادة الدراسة الثانوية من مدرسة رأس التين سنة 1904م. والتحق بمدرسة الحقوق ولم يلبث أن يترك دراسة القانون واتجه إلى دراسة الأدب والتحق بمدرسة المعلمين العليا وحاز شهادتها سنة 1909م. وفي هذه السنة نشر الجزء الأول من ديوانه باسم ضوء الفجر يتضمن قصائد عديدة من الشعر الوجداني والشعر القصصي.
        وكان يكتب في صحيفة "الجريدة" وبينما كان يتعلم في جامعة شفيلد  (Shelf field)  بإنجلترا  فحصل على الدرجة النهائية في  الآداب  والتاريخ، سنة 1912م. ثم رجع إلى مصر وزال مهنة التدريس في مدرسة رأس التين الثانوية ثم في المدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية. وظهر الجزء الثاني من ديوانه سنة 1913م التي كان يكتبه في إنجلترا. والجزء الثالث سنة 1915م، والجزء الرابع والخامس سنة 1916م.
        وكذلك نقد شكري على المازني نقدا لاذعا، فظهر ديوانه السادس سنة 1918م، والسابع سنة 1919م. ومضت المعركة بين شكري ومازني وأدت إلى انصرافها عن ميدان الشعر. تقلب شكري في وظائف وزارة التربية والتعليم بين النظارة والتفتيش واكتفى رسالاته ومقالاته ولكن ظل يكتب في الصحف والمجلات ثم تركها إلى إلا سكندرية فأحسه مرض الشلل حتى توفي سنة 1958م.
        وقد كتب شكري هذه المذكرات تحت عنوان الاعتراف " قصة نفسي" وحاول أن يصور على نحو واضح، "فهو ضعيف العزيمة كثير الأحلام، والإطماع والأماني وكذلك الخوف، يهيم العواطف ولكنه غير عظيمها، كثير الغرور لأنه كثير الأحلام والأماني، ليس عنده شيء من الاعتماد على النفس، شديد الإحسان ولكنه يبكى في ضحكه ويضحك في بكائه، كثير الشكوى والتضجر، قليل الصبر، تهز في نفسه قيود القدر المختوم فيجتهد  فلا يقدر، فيزداد حزنا ويأسا، ويفكر ولكن تفكيره غير منظم، وهو كثير الحيرة والشك بالرغم من غروره بترك ما يعنيه إلى مالا يعنيه، لا يعرف أي أقطاره وعاداته القديمة خرافات مضرة، ولا أي أقطاره وعاداته الجديدة، حقائق نافعة. من أجلها يضره القديم كما يضره الجديد، فهو في قديمه وجديده، غريق ، أو مثل كرة في أرجل المقادير فإلى أين تقذف بها المقادير....[219]"
        وهذه الصورة التي رسمها بعد عبد الرحمن شكري أنما قصد بها تصوير مشاعر، ولحساسيته هو، وكل كتابه يدور حول تصوير أزمته النفسية التي كانت تصروه خلال هذه الفترة من حياته، وقد لجا شكري إلى تصوير مشاعره في مذكرات مجنون، وحديث إبليس.
        ولما صحت العزيمة على طبع هذا الكتاب، وكان الفضل فيه لمؤسسة الرسالة "ببيروت"، وقد مات المؤلف في هذه الزيارة سنة 1956م، فدوّنت مذكراتها، ونشرها في مجلة "البعث الإسلامي" بعنوان "ثلاثة أيام في لبنان"، وقد ألحق هذا الفصل القصير بهذا الكتاب إتماما للرحلة، وإكمالا للكتاب.
"الذكريات والملاحظات" كارل بروكلمان المستشرق الالمانى
        ولد بروكلمان سنة 1868م. وكان والده يعيل إلى الزراعة مثل اجداده ولاكنه اضطر إلى الاشتغال بالتجارة دون رغبة منه حتى انتهى إلى الافلاس فتولى اعمالا ادارية بسيطة فى مستشفى الجامعة وفى احدى المكتبات.
أسرة ( بروكلمان  ) ونشأته
يبدأ ( بروكلمان ) سيرته الذاتية بالكلام على أجداده وفروع أسرته ويذكر بعض أفراد عرفت أسماؤهم منذ القرنين السابع عشر والثامن عشر في مقاطعة ( ها نوفر ) وبالأخص في مدينة  ( روشتوك ) على بحر البلطيق ، حيث ولد ( بروكلمان ) سنة 1868 م . وكان والده يميل إلى الزراعة مثل أجداده ولكنه اضطر إلى الاشتغال  بالتجارة دون رغبة منه حتى انتهى إلى الافلاس فتولى أعمالا ادارية بسيطة في مستشفى الجامعة وفي احدى المكتبات.
نشأ ( كارل بروكلمان ) ( ( Carl Brockelmann في ( روشتوك ) ، حيث أتم الدراسة الثانوية ( الجمنازيوم ) . وهو يذكر أسماء بعض أساتذته الذين عرفو بالكفاية . ويمدح مدرسي اللغة الألمانية الذين كان أحدهما يدرس أيضا اللغة العبرية التي كان تعلمها اختياريا ، فاختارها  ( بروكلمان ) لأنه ظل خلال فترة قصيرة يفكر في دراسة اللاهوت بالجامعة . الا انه سرعان ما أحب اللغة ذاتها . ولا حظ المدرس اهتمامه بهذه المادة خلافا لجميع زملائه فأخذ يشجعه ويساعده . ولما أثبت تفوقه في فحص الشهادة الثانوية اتصل مدرسه بأستاذ اللغات الشرقية في الجامعة لتقديم التوصية بشأنه ، وبالفعل كان للاستاذ ( فيليبي ) أكبر الأثر في مجرى حياة ( بروكلمان ) . 
ويشكو ( بروكلمان ) من مدرس اللغتين الفرنسية والانكليزية الذي لم يتعلم التلاميذ منه شيئا . فقد كان من خريجي معاهد اليسوعيين ، لفق كثيرا من الكتب التافهة وفرض على التلاميذ مراجعتها في حين كان يقضي دوما نصف ساعة الدرس في الثرثرة ورواية حوادث البلدة .
وقد خص ( بروكلمان ) بالذكر المدرسين في الصفوف الوسطى : أحدهما مدرس اللغة الالمانية ( كرن )  الذي لمع اسمه اذ ذاك بين كتاب الشباب المحبوبين ، والذي كانت قصصه ورواياته تلهب خيال الناشئين وتغذي ميولهم إلى المغامرات في بلاد الشرق البعيدة . أما المدرس الثاني فهو الدكتور ( شتريليتس ) المتميز في اللغات الكلاسيكية ( اليونانية  واللاتينية ) وهو ، على الرغم من كونه ( يهوديا )  ورغم ضؤولة مظهره كان قادرا على فرض النظام في الصف .
يقول ( بروكلمان ) : " منذ الصفوف العليا الاولى بدأت تظهر بوضوح ميولي التي ظلت تسيطر على حياتي . فقد كانت لنا في المدرسة اذ ذاك حلقة للقراءة تجتمع مرتين كل اسبوع ، فكنا نأتي كل يوم أربعاء بمجلة ( غلوبوس ) ، وكل يوم سبت بمجلة  ( البلاد الأجنبية ) ، وهما المجلتان الرائدتان في تلك الفترة التي كانت ما زالت تشهد تعاقب الاكتشافات الجغرافية الكبيرة في آسيا وافريقيا . وبتأثيرذلك اتجه خيالي مبكرا نحو الشرق , وكان اهتمامي مركزا في الدرجة الاولى على المعلومات اللغوية التي يرد ذكرها في المجلتين . وبالاستناد الى ذلك قمت ، وأنا في الصف الثانوي قبل الأخير ، بوضع قواعد لهجة ( البانتو ) السائدة في المستعمرة البرتغالية ( آنغولا ) . وكانت أكبر امنيتي أن أعيش فيما وراء البحار . ومما كان يدفعني إلى ذلك الأوضاع السيئة في ( روشتوك ) . فقد كانت الحياة التجارية في الحضيض ، وكان التجار الموهوبون يسعون إلى خارج البلاد، وكنا نسمع كثيرا عن أبناء جيراننا الذين كانو يمارسون التجارة أو ادارة الشركات في أمريكا الجنوبية أو في روسيا ، وعن الذين أصبحو أغنياء ، وعلمت مثلا أن اثنين من زملائي التلاميذ قاما بتأسيس شركة للتصدير ف ( شانغهاي ) .[220]. فقد كان من خريجى معاهد اليسوعيين، لفق كثيرا من الكتب التافهة وفرض على التلاميذ مراجعتها فى حين كان يقضى دوما نصف ساعة الدرس فى الثرثرة ورواية الحوادث البلدة.
        كان الأستاذ بروكلمان احيل فى سنة 1945م على التقاعد من كرسى استاذية اللغات الشرقية فى جامعة "برسلاو" ثم اضطر إلى النزوح عن هذه المدينة التى صمت إلى "بولونيا" بعد دخول الجيش السوفياتى اليها فى تعوز فى سنة 1945م. وهكذا فقد "بروكلمان" كل ما يملك وانقطع راتبه التقاعدى.
        على انه لما وصل مدينة "هاللة" يوسط له رئيس جامعتا المستشرق "آبفيلد" فى تشرين الاول 1945 لتولى امور مكتبة الجمعية الالمانية للمستشرقين والحصول بذلك على مورد للعيش مؤقتا. وإلى بروكلمان يرجع الفضل فى محافظة على هذه المكتبة القيعة فى مكانها بأمر من الضابط المسؤول فى ادارة العسكرية لمنطقة الاحتلال السوفياتية وذلك احتراما لشخصية العلامة الالمانى المشهور.
        وقد اشرف "بروكلمان" على تقل الكتب من مخابئها إلى مقر الجمعية. ويتذكر رواد المكتبة انهم فى ستاء سنة 1946-1947 وفى البرد القارس الذى يهبط إلى 30 درجة تحت الصفر كانوا يشاهدون رجلا متقدما فى السن ملتحفا بمعطفه الاسود جالسا فى مدخل المكتبة وإلى جانبه مدفأة كهربائية تشعل اذا لم يكن التيار الكهربائى مقطوعا فى اكثر الاحيان. هذا الرجل كان الاستاذ بروكلمان نفسه الذى قام باعداد الفهرس الكتب جمعية المشرقين الالمان.
        فى خريف 1947 تحرير الاستاذ "بروكلمان" من متاعب اعمالالمكتبة اذ عهدت اليه جامعة "مارتين لوثر" فى هاللة بكرسي استاذ اللغة التركية، فتهافت عليه الطلاب الذين كانوا يدرسون معه النصوص التركية والعربية والسريانية والآكادية والحبشية والذين كان يشرح لهم اشتقاق الكلمات ومقارنتها فى مختلف اللغات بالاضافة إلى معلومات عزيزة ادبية وتاريخية كان يجود بها.
        وقد تعرض يوم عيد الميلاد سنة 1955 إلى برد شديد فى احدى الكنائس القديمة فمرض ثم مات 5 أيار 1956م.
        ان الذكريات والملاحظات لم يكتبها الاستاذ بروكلمان بقصد النشر، بل أراد حفظها لولده الذى يحمل ايضا اسم "كارل" والذى كان وقع فى الاسر عند استلام الجيش النازى فى ستالينعراد سنة 1943.
        يعالج الدكتور كامل عياد فى مقالته "السيرة الذاتية للمستشرق الالمانى بروكلمان" عن كتابه "الذكريات والملاحظات":
        "جلس بروكلمان يوم 14 ايلول سنة 1947. بعد ان بلغ التاسعة والسبعين من العمر وانتهى فى عدة ساعات من كتابة سيرته الذاتية معتمدا على ذاكريته دون ان تكون لديه مذكرات مكتوبة. ولا عجب فقد اشتهر بروكلمان بقوة عجيبة فى التذكر، وبقدرة فائقة على تركيز افكاره. وبطاقة هائلة للعمل. وقد ظلت هذه السيرة الذاتية محفوظة لدى زوجته الثانية التى اقترن بها بع وفاة زوجته الاولى فى سنة 1946 والتى كان محتاجا لرعايتها بعد ان بلغ الثمانية من العمر". [221]
       يقول الدكتور كامل عياد ايضا عن كتابه:"استاذ بروكلمان لم يفكر ابدا فى نشر ما كتبه عن سيرته الذاتة. ولاكنه راى مع غيره من المستشرقين بان للاجيال الناشئة كل الحق فى معرفة جميع النواحى المتعلقة بهذه الشخصية العلمية الفذة وان يقرؤوا ما كتبه عن نفسه هذا المستشرق الذى يحتل مكانة عالية فى تاريخ علم الاستشراق. وهل هناك من مستشرق على وجه الارض لايعرف اسم "بروكلمان" ولم يرجع إلى مؤلفاته ويحمده على ما يقتبه من علم سواء فى الوقت الحاضر او المستقبل على الرغم من التقدم العلمى المستمر فى دراسة تراث الشرق، وازدياد التخصص والتعمق فى البحث؟[222]
        يعالج بروكلمان فى كتابه عن نشأته ودراسته ورحلاته واسررته وغيرها. يذكر فضل والدته التى كانت تطلب منه وهو فى المدرسة، ان يقرأ لها مؤلفات جميع الكتاب الالمان الكلاسيكيين بالاضافة إلى الروايات المرغوبة فى ذلك الوقت وعلى الاخص الروايات التاريخية وكان لهذه القراءات اثر فى توسيع ثقافته العامة.
        ثم يروى بروكلمان فى كتابه كيف كان يخرج ايام الاحد للنزهة مع والده ويتحدث اليه مشاريعه للمستقبل. ولاكن والده اضطر بعد مدة قصيرة ان يعترف له بحجرة عن مساعدته على دخول الجامعة وتحقيق اهدافه، وان عليه بعد الآن الاعتماد على نفسه فقط:
      يقول بروكلمان سيرته قائلا:
        "ان السنوات السبع فى "كونيكسبرع" كان يمكن ان تصبح اسوأ معا وضعت لو لم اكن فى تلك الفترة منهمكا كليا فى تأليف احب كتاب إلى من سائركتبى، واعنى بذلك "كتاب الاساس فى قواعد اللغات السامية المقارنة" الذى طبع فى برلين، الجزء الاول سنة 1907 والجزء الثانى 1913 ومن المؤسف ان الكتاب لم يطبع ثانية لان دار النثر "رويتر ورايخارد" اغلقت بعد موت صاحبها الرئيس".[223]
تاريخ حياتى لبا بكر بدرى
        هو كتاب سدانى فى الأدب العربى الحديث، كتب سيرته الذاتية بعنوان "تاريخ حياتى" بقول عنه استاذ وى بن عبد الحميد "ان كتابه يعد تاريخه وتاريخ السودان".
يقول ديقيت رينولد عن هذا الكتاب:
            The first half of his autobiography covers his childhood. The complete text was published posthumously in 2 volumes, 1959 and 1961 : Part- I covers the years to shortly after 1900. Part-II begins after world war : I Tarikh hayati (Sudan : Matha – at- Misar) An English translation is titled. The Memoirs of Babikr Bedri(Newyork Oxford University Press 1980)[224], Page 325
على الجسر بين الحياة والممات لبنت الشاطى (عائشة عبد الرحمن)
        أديية مصرية، ولدت بدمياط، ناقدة أدبية واجتماعية، لها كتاب فى سيرتها الذاتية بعنوان "على الجسر بين الحياة والممات".
وقد سجلت فيه طرقا من سيرتها الذاتية ، وسطرته بعد وفاة زوجها " أمين الخولي " بأسلوبها الأدبي الراقي تتذكر فيه صباها ، وتسجل مشاعرها نحوه وتنعيه في كلمات عذبة . وتسرد فيه قصة لقاءها مع أستاذها وحبيبها ، وأن ما بقى لها من العمر ما هو الا جسر تعبر فوقه لتصل الى حبيبها بعد رحيله . وكتبت في مقدمة كتابها تحت عنوان " اسطورة الزمان " :  "  تجلت فينا وبنا آية الله الكبرى الذي خلقنا من نفس واحدة ، فكنا الواحد الذي لا يتعدد ، والفرد الذي لا يتجزأ  وكانت قصتنا اسطورة الزمان ، لم تسمع الدنيا بمثلها من قبل ، وهيهات أن تتكرر الى آخر الدهر " ([225])
ثم كتبت تقول : " على الجسر ما بين الحياة والموت ، أقف حائرة ضائعة في اثر الذي يرحل ، أطل من ناحية فأجده ملئ الحياة ، والمح طيفه الماثل في كل من حولي وما حولي من معالم وجودنا المشترك ، واتتبع خطاه على دربنا الواحد ، دفاقة الحيوية ،  سخية العطاء  ، وأميز أنفاسه الطيبة الزكية في كل ذرة من هواء اتنفسه ، وأصغى الى نجواه في الصمت وفي الضجيج ، وفي سكون الخلوة ، وفي صخب الزحام ،  وأطوف بأجواء عالمنا الرحب الذي ضمنا معا ، فلا اتصور انه الراحل الذي لا يعود " ([226]) وقد وصفت بنت الشاطئ لقاءها الأول بأستاذها وزوجها الشيخ الخولي في كتابها " على الجسر " قائلة : " من ذلك اللقاء الأول        ارتبطت به نفسيا وعقليا ، كأني قطعت العمر أبحث عنه  في متاهة الدنيا ، وخضم المجهول ، ثم بمجرد عن لقيته لم اشغل بالي بظروف وعوانق قد تحول دون قربي منه ، فما كان يعنيني قط سوى أني لقيته ، وما عدا ذلك ليس بذي بال " ([227]) .  
رحلة جرجى زيدان إلى اوربا لجرجى زيدان
        أديب ومؤرخ لبنانى، ولد وتعلم فى بيروت وتوفى بالقاهرة. من رجال النهضة أسس فى القاهرة مجلة الهلال 1892 ودار الهلالللنشر.
لقد كان ابوه صاحب مطعم فى بيروت وقد جمع الفقر والامية فى التعليم واضطر ان يجيب دعوة ابيه اياه لمساعدته فى العطعم ولو كاتبا للحصابات على الاقل. الحت والدته ان يترك هذا العمل ويذهب إلى المدرسة درس العلوم الاعدادية حتى تاهل للالتحاق بقسم الطب فى الكلية الامريكية فى سنة 1881م. وكان يحضر المدرسة المسانية للغة الانجليزية التى انشاها مسعود الطويل حتى كان جورجى زيدان يقرأ رحلة كوك الذى تجول فى اوقيانا، دخل جورجى زيدان فى مدرسة الطب ببيروت سنة 1881م. ثم جاء إلى مصر واشتغل بالصحافة محررا فى جريدة الزمان وفى سنة 1885م عاد إلى ببيروت من مصر فانتخب عضوا فى المجمع العلمى الشرقى وهناك تعلم العبرانية والسريانية، طلبت ادارة المقتطف تولى ادارتها فى سنة 1886م. فزار انجلترا وجال جولة مفيدة، وفى شتانها عاد إلى مصر واشتغل بالصحافة لسنتين حتى استقال من ادارة العقتطف سنة 1888م. وفى هذه الفترة اتم تاريخ مصر الحديث. لعل اول كتاب الفه هو الفلسفة اللغوية ظهر فى سنة 1885م ولم يتجاوز عمره الخامسة زالعشرين، انشا مجلة ’الهلال‘ سنة 1892م. واول روايته فتاة غسان – جزان، غادة كربلاء، الحجاج بن يوسف الثقفى، فتح الاندلس، ابو مسلم الخراسانى، الامين، والمأمون، وفتاة القيروان، شجرة الدر، جهاد المجبين. واسس دار الهلال للطباعة والنشر، وله كتب جيدة فى الأدب والتاريخ والثقافة الإسلامية، تاريخ اداب اللغة العربية – فى اربعة اجزاء، تاريخ التمدن الإسلامى – فى خمسة اجزاء.
        له كتاب فى سيرته الذاتية "رحلة جرجى زيدان إلى اوربا" يقول ديفيت رينولد عن هذا الكتاب:
                Although writtern in 1908, they cover only the years up to 1883 and were not published until 1966. Mudhakkirat Jurji Zaydan. (Beirut : 1966) there is an English translation by THomas Philipp. The Autobiography of Jurji Zaydan (Washington . D.C. Three continents press- 1990)[228]
 أيام من حياتى لزينب الغزالى
        كتبت سيرتها الذاتية بعنوان "أيام من حياتى".وفي الباب الأول من المذكرات اتهمت زينب الغزالي عبد الناصر بأنه كان يكرهها شخصيا حيث تكتب : " وعند ذلك تعجل عبد الناصر قرار الحل والإدماج كما سبق أن أصدر من قبل – وللانتقام الشخصي من زينب الغزالي لتعطيل دعوة الله ولمجه الشيطان  - أمرا عسكريا بوقف صدور مجلة السيدات المسلمات لأجل غير مسمى ، وكنت صاحبة امتيازها ورئيسة تحريرها " ([229]) . وتناولت عملها في المركز العام للسيدات المسلمات ، ورفضها أوامر الاتحاد الإشتراكي باستقبال عبد الناصر في المطار ، وقرار حل المراكز العام ، ورفض مجلس إدارة المركز  تنفيذ القرار ، ثم تنفيذ الحكومة له بالقوة المسلحة .
أما الباب الثاني ، فقد تحدثت فيه عن صلتها القديمة بالإخوان المسلمين ، وتناولت أول لقاء لها بعبد الفتاح إسماعيل في موسم الحج ، واتفاق الإثنين على العمل للدعوة ، واستكشاف عبد الفتاح إسماعيل الصالح من العمل من الإخوان السابقين ، ثم اتصالها بسيد قطب أثناء تأليفه كتاب " معالم في الطريق " ، ونشأة الحلقات من الشباب لدراسة الكتاب وتكتب : " ... إن سيد قطب هو العمل المرتجى لدعوة الآن ان شاء الله . واعطاني المرشد ملازم الكتاب فقرأتها فقد كانت عنده لأخذ الأذن بطبعها وقد حسبت نفسي في حجرة بيت المرشد حتى فرغت من قراءة " معالم في الطريق " . ([230])
وتحدثت في الباب الثالث والأبواب التالية عن اعتقال سيد قطب في القضية المؤامرة ، واعتقالها هي أيضا . وتناولت ذكرياتها في الزنزانة 3 ، ودوامة التعذيب والمساومة ، ومقابلتها لشمس بدران ، وأمره بجلدها في مكتبه . وتصف شمس بدران : " شمس بدران ، وما أدراك ما شمس بدران !     أنه وحش غريب عن الإحسانية وأكثر وحشية من وحوش الغابة !!      أنه أسطورة في التعذيب والقسوة !!  .    كان ينطلق في لذة غربية يضرب الموحدين المؤمنين ، بأعنف ما يمكن أن يتصوره العقل البشري ، ظنا منه ان ، والعنف في التعذيب يرد المسلمين عن دينهم ، وعقيدتهم ! وقد خاب ظنه ... " . ثم تحدثت عما تعرضت لهما من تعذيب وتحقيق ، ثم محاكمتها ، والحكم عليها بالأشغال الشاقة لمدة 25 عاما ، وانتقالها من السجن الحرب الى سجن القناطر ، وحياتها في السجن حتى الإفراج عنها سنة 1971.
        وقد كتب كثيرون فصولا من التراجم الذاتية ضعنها بعض كتبه او فى بطون المجلات والصحف، منها "كذا أنا يا دنيا"  لخليل سكاكينى و "هموم الشباب" لعبد الرحمن بدوى، ومذكراتى "لعبد الرحمن الرافعى و "مذكرات الشيخ الفزارى" لمصطفى عبد الرزاق. وكتب سيرة حياة فى مجال المذكرات كثيرون منهم : أحمد شفيق وحافظ عوض وطنطاوى جوهرى وعبد الله نديم ومحمد بيرم ومحمود أبو العيون وعبد وعبدد العزيز فهمى وجعال الدين الافغانى ومحمد نجيب وأنور السادات وجهان السادات وبنر نبران وابراهيم فوزى باشا وعثمان أحمد عثمان ومحمد فارض وغيرها.
" لمحات من حياتي "  لنجيب الكيلاني 
هو أديب إسلامي مصري ، كتابه في خمسة أجزاء ، وفي الجزء الأول يداول طفولته ، وتعليمه ،وفي الجزء الثاني يسرد حياته حتى انتقل الى القاهرة . وفي الجزء الثالث حافل بعناصر الفن الأدبي من تصوير شاعرية وعاطفة يصور الحياة في السجون المصرية ،
وفي الجزء الرابع يتناول الدكتورنجيب الكيلاني الموضوعات الآتية : حياة جديدة ، دنيا الأدب والأدباء ، رجال الأمن يعصفون بالندوة ، اتحاد الكتاب ونادي القصة ، لقاء الأدباء مع عبد الناصر نلقاء مع سيد قطب ، في أسواق الأدب ، نصف الدين ، ليالي المدينة السكنية ، الأيام تمضي ، أدب الحياة .... والحرية ، كأننا يا بدر لا رحنا ... ولا دينا ، حيث يكتب : " ... شيئ واحد أصبحت مقتنعا به تمام الاقتناع ، ذلك أن العيش في بلادنا مستحيل ، وأن الهجرة واحبة ، وإذا لم تتيسر الهجرة بالطريق الرسمي فلا بأس من الهروب ، والتسلل عبر الحدود مهما كان الثمن ... ووجدتني أردد ما قاله أبي مرة أخرى : ، كأننا يا بدر لا رحنا ... ولا جينا " ([231]).
ويبدأ الكاتب الجزء الخامس من سيرته الذاتية بالفصل عنوانه  " الوداع يا دنيا " حيث يكتب : " يجب أن نرضي بما هو مقسوم ، ونحاول أن ننسى الدنيا خارج هذه الأسوار ، ولتكن هذه العنابر بمثابة كهوف ننعزل فيها إجباريا عن الخلق وداعا يا دنيا .. هذا هو عالمنا الجديد ... " ([232] )   ثم تلى هذه الفصول : مشاكل وهموم ، الليالي الطويلة ، أبو زعيل الجديد ، السجون السبعة ونهاية المطاف ، القافلة تسير والدائرة تدور ، ويختتم بهذه العبارة : " وتقدم إلينا المضيفة الجميلة ، وتقول وهي باسمة : " ما ذا تطلب من الشراب " ، قلت وأنا أتذكر الرؤيا التي رأتها زوجتي في منامها ذات مساء : " عصير مانجا " وغدا يوم جديد ، وفجر جديد ، والأيام تمضي ، والقافلة تسير " ([233]).  وهكذا ينهى الدكتور الكيلاني " ترجمته الذاتية " التي جاءت في صورة مذكرات تختلط فيها الذكريات ، سجل فيها حياته منذ نشأته الأولى ، إلى فترة نضوجه الأدبي ، التي بدأ يكتب فيها اولى أعماله الروائية على أسس فنية ، وقد اعتمد في كتابة هذه الترجمة الضافية المسهبة على التذكر، دون أن يصرف عناية كبيرة إلى إثبات أمثلة من يومياته ، أو الوثائق المسجلة لنقاط التغير ومراحل التطور على تعاقب حياته ، فلم يثبت مثلا أمثلة أو نماذج من رسائل متبادلة بينه وبين الآخرين ، أو التواريخ الدقيقة للأحداث التي قام بسردها وتصويرها ، عن أسماء الشخصيات التي كانت بينه وبينهم مشاركة ، سواء من بيئته الصغيرة من أفراد الأسرة وشخصيات القرية ، أو الشخوص الكثيرين الذين التقى بهم في السجن الحربي أو سجن مصر أو سجن القناطر ، وغيرهم من صرح بأسمائهم ، وسجل انطباعاته عنهم .. لكن هذه الترجمة توافرت لها ميزات بارزة ، أولها ، التزامه الصدق الممثل لواعق حياته وحياة أسرته ، كلاتصريح بأن جده لأمه " الحاد عبد القادر الشافعي " برغم أنه كان من كبار تجار القطن ، وكان من وجهاء القرية ، فقد ود بناته الثلاث بسهولة ويسر في أسر متواضعة ([234]) ، ومن صدقه تصريحه بأن نشأ في أسرة متواضعة ، وأنه مجرد ابن رجل فقير يشتغل بالززراعة ([235])
ما نجده في هذه الترجمة من إشارات إلى الدوافع التي كانت وراء كتابته بعض رواياته أو قصصه القصيرة ، والأحداث التي انفعل بها ، وحركت في نفسه صياغتها في صورة قصصية ، ولعل أعظم إفادة لنا في ذلك ، ما نجده في الأجزاء التي أكمل بها ترجمته لنفسه ، والتي قصرها ، على الكشف عن تجاربه الذاتية ، ومحاولاته الخاصة ، في كتابة الأدب الإسلامي ، والقصة الإسلامية ، وذلك في كتاب " تجربتي الذاتية في القصة الإسلامية ([236]) ، وكتاب "حول القصة الإسلامية ([237]) . فهو يكشف في الأول عن تأثير نشأته في تفجير تجربته القصصية ، إذ تأثر بقصص القرآن ، وقصص الربابة ، والسيرة الشعبية ، وقصص الجن والجنيات والعفاريت ، ثم قصص الواقع المعاش ، وقصص الوعاظ ، ثم يصور اتصال أدبه بحياته الواقعية ، وبهموم هذا الواقع وعقيدته وأفكاره ، فقد بدأ شاعرا حوالي سنة 1947 م ، ثم انتقل الى القصة بعد ان حوكم في إحدى القضايا السياسية عام 1955 م ، وصدر ضده حكم بالسجن عشر سنوات ، وارتبط بالأدب القصصي ، رأيت أن القصة أنسب لأن أعبر بوضوح وقوة بعيدا عن الفحوص والتهويمات والأحاجي والألغاز ، ولهذا غلب على قصصي فيما بعد الطابع السياسي ، وامتلأت قصصي الطويلة والقصيرة بأحداث السجون والمعتقلات وما فيها من إهدار للإنسانية والكرامة والحرية ، حتى أطلق على النقاد المرموقون بأنني أديب السجون والمعتقلات ([238]). وإن كان نجيب الكيلاني قد تميز ليكون في حياته الأدبية المثل الذي ندعو شباب العرب المبدعين أن يحتذوا سبيله المستنير ، ومن الحق ان كبار أدبائنا التفتوا إلى تسجيل جانب من تلك التجارب التي استوحوها في رواياتهم أو مسرحياتهم أو أشعارهم ، ولكنهم لم يقفوا عند كثير منها ، هذه الوقفات المستأنية التي وقفها " نجيب الكيلاني " في ترجمته لنفسه .
كتاب "معك" لسوزن طه حسين
 يقول عنه الناشر:هذه الذكريات لم يقف هذه الفصول عند حدود الذكريات الشخصية مع عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين. بل نجدها قد تعددت ذلك الإطار الضيق، إلى كثير من لامع فكره وأدبه وفلسفته الطوال ورفقته الطويلة مع شريكة حياته، أنها ذكريات الألم والسعادة وإلياس والأمل، وأيام القحط والساعات الإشراق وهي قبل كل ذلك سيرة حياة مناضلة من أجل الوجود والتحري والفكر الحاد.[239]

تذكر سوزن عن طه تقول :   " اول مرة التقينا فيها كانت في 12 مايو 1915  في مونبلييه  ( ومنذ  زواجنا  كنا نحتفظ لهذا   اليوم  بوضع خاص ) . لم يكن  ثمة شيئ في ذلك اليوم  ينبئني بأن مصيري كان يتقرر ،  لم يكن بوسع أمي  التي  كانت بصحبتي أن تتصور أمرا  مماثلا . وكنت على شيئ من الحيرة ، إذ  لم يسبق لي في حياتي أن كلمت  أعمى  . لقد عدت  اليه ازوره بين الحين  والآخر  في غرفته التي كانت غرفة طالب جامعي .  كنا نتحدث  وكنت أقرأ  له بعض  الفصول من كتاب فرنسي . ولعل  القدر  كان قد أصدر قراره بالفعل .  فقد كان هناك  أعمى   آخر  ، هو الأستاذ  الإيطالي الذي  كان يدرسه اللغة اللاتينية ، قد أدرك  ذلك وقال له : " سيدي ، هذه الفتاة  ستكون  زوجتك " .
كنا في غمرة  الحرب . وكانت الجامعة  المصرية  تتصل بمبعوثيها بصعوبة ، كان نسف البواخر يزداد ، واستدعى  المبعوثون الى القاهرة   . فيعود طه الى  مصر ويوشك ان يقع  مريضا لشدة ما كان تعسا لعدم استطاعته متابعة دراسة كانت لا تزال في بدايتها . وأخيرا حصل مع آخرين  على إذن  بالعودة في عام 1916 .
كنا  ، امي وأختي وأنا ، قد أقمنا  في باريس ، وكنا نلتقي ، وكان  ثمة غرفة شاغرة في بيتنا ، وكان يبدو  مهملا ، ضائعا برغم  حضور أخ له لم يكن للأسف معينا ، وإنما كان مصدرهم متواصل بحيث   ان امي اقترحت عليه المجيئ  للسكن عندنا .  وقبل ، ولكن بعد كثير من التردد ، لأنه ، وهو الذي لا يوقفه شيئ عند  اتخاذه القرارات الهامة  ، كان شديد الخجل في الحياة   اليومية ،  لم يقبل إطلاقا ان يتناول  وجباته معنا ، كان ثمة قارئة  تأتيه  بانتظام  ، وكان هناك سيدة  أكبر  في العمر  تصحبه الى السوربون ... لكني شيئا فشيئا  أخذت اتدخل  في ذلك  وأصحبه  انا الأخرى  الى الجامعة من وقت الى آخر  حتى بت اصحبه غالبا   . وكنت أقرأ له عندما يكون   وحيدا . كنا نتحدث بكثرة ، وكان يحقق تقدما عظيما في اللغة الفرنسية .
وذات  يوم ، يقول لي  : "  اغفري   لي ،  لا بد  من أقول  لك ذلك  ، فأنا احبك " . وصرخت  ، وقد أذهلتني  المفاجأة ، بفظاظة : " ولكني لا أحبك ! "  كنت اعني الحب بين الرجل والمرأة  ولا شك . فقال  بحزن : " آه ، إنني أعرف  ذلك جيدا ،  وأعرف  جيدا  كذلك  أنه مستحيل " .
ويمضى زمن  ، ثم يأتي  يوم آخر  أقول  فيه لأهلي  إنني أريد  الزواج من هذا الشاب ، وكان ما كنت أنتظره من رد الفعل : " كيف ؟ من أجنبي ؟ وأعمى ؟ وفوق  ذلك كله مسلم ؟ !  لا شك أنك جننت تماما ! " .
ربما   كان الأمر  جنونا ، لكني كنت قد اخترت حياة رائعة . اخترت  ! من  يدري ؟ . لقد قالت  لي صديقة عزيزة ذات يوم : " لقد  كان عليك  ان تضطلعي بهذه الرسالة " . وصديقة  أخرى  تقول لي  منذ زمن ليس ببعيد ، أتذكرين  يا ماري ؟ :  " لقد  ملئت حياتك إلى اقصى حد " .  نعم ، لقد ملئت حياتي الى اقصى  حد .  كان قد قال لي : " لعل ما بيننا يفوق الحب " . فيما يتعلق بي ، كان هناك هذا الشيئ  الرائع : الفخر  ، اليقين  من أنه ليس ثمة ما يدعوا للخجل ،  ومن انه ليس هناك على الإطلاق اية فكرة مريبة أو بشعة أو منحطة يمكن  ان تأتي  لتحقر أو لتثلم الكائن الذي  اقاسمه حياته . آه !  لم يكن دوما هدئ الطبع  ، - على العكس من ذلك – لكن هذا امر آخر .
وكان لا بد من النضال  بالطبع بسبب  ذلك  القرار . وجاءني  أكبر  عون من عم لي كنت  اكن له إعجابا عظيما ، وكان هذا  العم قسا . فقد حضر ليتعرف بطه ، وتنزه معه وحيدا  في حقول البيرينه مدة ساعتين ، ثم قال لي عند العودة  : "  بوسعك أن تنفذي  ما عزمت عليه .. لا تخافي . بصحبة هذا الرجل  يستطيع المرء ان يحلق بالحوار ما استطاع الى ذلك سبيلا ، إنه سيتجاوزك باستمرار " . هذان الرجلان ، الذان  كان كل منهما  يقدر  الآخر ، سوف يتحابان عما قريب . لكن يد المنون اختطفت منا عمنا مبكرا بعد عدة سنوات من ذلك التاريخ ، وبقى طه يردد حتى النهاية : " لقد كان عمك القس احب رجل الى نفسي " . وكان  قد كتب الى امي عند وفاته  : " كان مثلن ودليلنا ومحل إعجابنا . كان يجعل كل شيئ جميلا ، وكان يجعل كل شيء نبيلا ، لقد كانت الحياة تغدو  بصحبته فجأة حياة ارفع وأخصب " . أوليس  ذلك هو ما استطيع ان اقوله بدوري عن طه ؟ .
كان لا بد من الحصول على موافقة الجامعة : فلم يكن بوسع  المبعوثين أن يتزوجوا قبل عودتهم ، كما كان لا بد من إعلام  أهله . وأخيرا  أعلنا خطوبتنا .
بدأت  العمل معه ، وغدا  ذلك  في منتهى الجدية . كان يعد لنيل  إجازة في الأدب الكلاسيكي ، وكان ذلك  امتحانا عظيما  لامرئ  لم يدرس من اللاتينية الا القليل ، ولم يدرس  ما يكفي  من النصوص الفرنسية ، كما لم يدرس التاريخ  ، امرؤ كان علي ان اعلمه  كذلك الجغرافيا  وأعد له خرائط بارزة   ( أنا التي لم تعرف شيئا من الجغرافية ! )  - هناك  الآن خرائط خاصة بالمكفوفين  - وكنا نبدأ العمل بعيد  الفطور . وبعد مضى سنوات كان يكتب في غمرة  العاطفة والذكرى   : " كنا نتبادل تحية الصباح ،  وكنت اقبل  جبهتك وخاتمك ،  ونتحدث في الحب وفي العلم ... "
وسمح  لي أن أكتب  اوراق  امتحانه وسأظل  ممتنة لذكرى  العميد كروازيه   Croiset   الذي منحني ثقته . لقد وضعونا في قاعة خالية ، وأظن أنهم لم يضعونا  تحت الرقابة  في أية لحظة . وكان النص اللاتيني  يغمرني آلاما ، فقد كان طه يكرر القول بعناد : "  لا استطيع ، لا اعرف ، سأصرف  النظر  عن الأمتحان " . وخلال نصف الساعة الأخيرة ، أملى علي ، بعد أن استسلم اخيرا  لرجائي ،  ما كان يسميه كارثة . وحاز  على 12 درجة  ونجح . ثم عكفنا على الرسالة . وكلما فكرت بها عاودتني الدهشة  من أن امرءا  يشكو كفاف  البصر وقلة  الاستعداد في الثقافة الغربية استطاع في اقل من أربع  سنوات ان يحصل إجازة  ودبلوما في الدراسات العليا وأن
ينجز رسالة دكتوراه . كنا نتساجل حول النصوص ، وخاصة منها تلك التي كانت مكتوبة بلغات لا نعرفها . وما زلت أذكر احد النصوص  الإسبانية ( التاميرا
Altamira  ) ، لم يسبق لي على الإطلاق ان قرأت جملة إسبانية ، كما لم يسبق لطه أن سمع مثل هذه الجملة . لكننا تغلبنا على هذا  النص مستعينين  بالفرنسية وباللاتينية بالإيطالية التي استنجدت بها .  وكانت لي صديقة أخذت  على عاتقها ترجمة  نص ألماني ، أما بالنسبة للنصوص الأخرى  فقد كنا نطلب ترجمتها الى محترفين .
وفي أحد الأيام ، اصابت طه آلام  مرعبة في الرأس . واكتشفنا ان عينه اليمنى ،  التي كانت معطلة كالأخرى ، تعاني  التهابا حادا . وأراد طبيب عيون من ديجون   Dijon  ،  كان يجري عمليات في مستشفى  اوتيل ديو  Hotel – Dieu    وكان صديقا  لأسرتي ، أن يقوم  بعملية استئصالها التي لا بد منها في بيتنا . ذلك  أن الوقت  كان وقت حرب والمستشفيات طافحة بالجرحى . لقد تعلمت في تلك الأيام أن آخذ نصيبي من كل المحن التي اختصت بها الحياة الرجل الذي كنت احب ، الجسدية منها أو المحن الأخرى . كان يتألم بقدر ما كان يصرخ ،  هو الشجاع القادر  على السيطرة  على نفسه . إن من المرعب أن يرى  المرء إنسانا يتألم ، لنكن رؤيته يقاوم في الليل بدون عون  ضوء النهار المخفف ينتهبه  الألم كليا كانت   أمرا فظيعا . ولقد خفت ، فالتهاب  السحايا لم يكن بعيدا . لكنه شفى .
وفي الخامس من أبريل كتبت لأمي ، التي كانت غائبة ، بفخر : " لقد أصبحت الرسالة  في الصفحة  الثامنة  والثمانين  " .
كانت  الحياة قد أصبحت أصعب فأصعب . وكان الشتاء  قاسيا . وكنا ، أختي وأنا ، نفني شأن آخرين كثيرين بحثا عن البطاطس  وخاصة عن الحطب  والفحم . وكنت أفرح وأدندن كلمات الأغنية : " من يغني  أغنية  الفحم .. " ،  وكانت أيدينا المشققة تزعجنا كثيرا .
لم نكن أغنياء  ، لكن طه وجد وسيلة يتمكن بها  من إهدائي هدية بمناسبة عيد ميلادي  ، فقداشترى من شارع بونابرت نسخة من لوحة " عذراء  لندن "   La Vierge de Londre   لبوتيشللي Botticelli  هذه  اللوحة بقيت دوما في غرفتي . وكانت أجمل لحظاتنا هي الفترات التي  نقضيها ونحن نستمع إلى  الحفلات الموسيقية التي كانت تقدم بصورة   منتظمة كل أحد في السوربون . لم تكن باهظة التكلفة  ، إلا أننا كنا نضطر أحيانا للاستغناء عنها ، وكنا نعزي أنفسنا بقراءة كتاب جميل . كان طه حسين  يقبل كل شيئ بأريحية . وقد فوجئنا ذات يوم بزوبعة وإعصار عنيف ممطر  ، وكتب إلى أمي : " كانت سوزان باللغة  العذوبة  عندما رأت مقاعد مقهى مالنيني  Malnienny  تتطاير عبر شارع " سوفلو  Soufflot   " والخدم يركضون وراءها بحيث إنني لم أتمالك نفسي من الضحك ! " .
تزوجنا يوم 9 أغسطس 1917 ببساطة مطلقة . إلا أن  الجميع أصروا على أن ألبس ثوب الزفاف الأبيض وأن نركب العربية المقفلة . وكان في الشوراع جنود يقضون إجازاتهم القصيرة بعيدا عن المعارك ، ولم يكن من الزيجات آنذاك  مألوفا . فكيف يسعني أن أنسى نظرة المودة التي كان يتطلع بها إلي  هؤلاء الجنود ، كانوا يحيوننا ويهتفون : " تحيا العروس ! " وكنت أقول لهم  " شكرا "  وكانت تلك الكلمة هزيلة  للغاية  بالنسبة لأولئك  الذين  كانوا يعودون  للجحيم وإلى الموت للكثير  منهم ، أولئك  الذين بلغ  بهم الكرم  الى حد أنهم كانوا يبتسمون لنا .
ذهبنا  الى قرية   " بو   Pau "  في البيرينيه ، فقد  قضينا فيها غالبا أيام إجازاتي كما كانت لي صديقة عزيزة تقطن فيها ، كانوا قد أكدوا لي أنني سأحتفظ بجنسيتي  ، لذلك  فإن طه وحده  هو الذي حصل على جواز مرور  لهذه النقطة من الحدود  . بيد أنني  اعلمت في " اركاشون  Arcachon   " – حيث توقفنا قليلا – بأنني لم أعد فرنسية على الإطلاق  وأنه ليس بوسعى المضى  بعيدا عن الحدود  بدون جواز مرور ، وانهمرت دموعي غزيرة أمام رجل الشرطة  الذي أخذ من ناحية أخرى  يضيف الى كلماته جانبا  من الإغاظة والمعابثة . وبما أنني  كنت لا أرى الامور دائما  إلا بمنظار الجد فلم أكن لأطمئن  ، وأنذاك قال لي  صديقي  المسكين  بذهول ، ولكن  بأريحيته الدائمة  وصوته يختنق : " حسنا لنطلق ! " ويخيل  إلى أن تلك الكلمة كانت برهانا جميلا على الحب.
تذكر سوزن  أيضا  عن طه حسين  حينما اصبح  وزيرا   ، تقول  لم نكن نتوقع  أن يصبح طه وزير في يوم من الأيام ، فقد كنا نرى دوما أن ثمة موانع حاسمة تقوم عقبة في وجه ذلك بسبب عاهته وأفكاره المتحررة الجريئة وطبعه المستقل والحاسم . فبوصفه مستشارا فنيا مثلا كان يكتب لرئيس المجلس ، حيث هوجم بعنف ، على هذا النحو : " نعم ، إنني ادافع  عن سياسة  الوزير  وسوف ألازمه في ذلك . وسألقى  خطبا من أجل  الدفاع عن الوزارة  ذلك  لأنني  أدافع  عن سياستها التعليمية التي هي سياستي ، ولن يستطيع أي إنسان  أن يحول بيني وبين
 ذلك سواء كنت موظفا  أم لم أكن " .  ( رسالة  مفتوحة ) .
كان دون  أي شك سعيدا لا ستطاعته أن يحقق عددا من مشاريعه . فقد اجتاز بنضال عنيف الخطوة
الحاسمة من أجل تحقيق مجانية التعليم  التي كان قد طالب بها منذ عام  1942 ، وكان  قد تقرر قبول المبدأ  غير أنه لم  يطبق . وكان الناس في الخارج على وعى كامل  بما كان  يعنيه هذا التحول الهائل . أما في  مصر فقد  سبب الأمر هيجانا .  وقد تسلى  طه عندما نقلت له كلمة تاجر  بسيط لامرأته : " فلنأت بأولاد يا امرأة ، فالآن  يسعنا أن نعلمهم " . وأمكن  بعد ذلك  المساعدة في تغذيتهم وذلك  عن طريق تقرير وجبة   مجانية  في المدرسة . كما تأسست كلية جديدة للطب ، وكذلك جامعة جديدة  هي جامعة إبراهيم  ( جامعة عين شمس حاليا )  . وأنشئ  المعهد الإسلامي في مدريد وفي  أثينا انشئ كرسي جامعي  للغة والثقافة  العربيتين . وكان  يأمل تاسيس
 معهد في الجزائر . [240]
 وقد استخدم كل الوسائل الممكنة كي يزيد من عدد المدارس الابتدائية التي لم يكن عددها كافيا حتى وصل به الأمر  ان قام بجولة مخيفة في محافظة الدقهلية  وأراد أن يقوم بجولات أخرى  أيضا .  كانوا يريدون  الاستماع  اليه  ، وكان يقبل الكلام شريطة دفع مبلغ معين لبناء مدرسة . وكان بعض الوجهاء المأخوذين به يدفعون  بشكل عفوي .  فكان يعود إلي  في حالة  نفسية  ممتازة . لم يكن ثمة أبنية  كثيرة في أكتوبر   من أجل  افتتاح المدارس  . وكنت متوترة  النفس قلقة . إذ  كيف سيتدبرون  أمرهم  أمام هذا المد ،   هذا السيل من الأطفال الذين كانوا ينتظرون هذا الوعد الرائع ؟ . هذا دون  حسبان  الطلبة الذين  قبلوا بكثرة في الكليات وخاصة في كلية  الطب . وبسبب  انشغاله  بالأبنية  الجديدة وبالأستاذة  الجدد لم يكن طه ينام أبدا . [241]
يحصل طه حسين  الدكتوراة    تذكر سوزن   وتقول :  " لم تكن الدكتوراة الفخرية  التي منحتها له جامعة مونبليية أول دكتوراه تمنحها فرنسا لطه  . ففي  عام 1930  م  أنعمت عليه جامعة  ليون بهذا الشرف  . وقد ذهبنا معا إليها ، وكان ذلك  في شهر نوفمبر ، على متن الباخرة  " شامبوليون "  . كان طه يعرف هيريو  Herriot إلى  حد ما ،  إذ أنه  كان يلتقى به غالبا  في اجتماعات التعاون الفكري  ويلتقي معه بالتالي في الوقت نفسه فاليرى  الذي كان طه يكن له إعجابا  عظيما . ولم  يكن يخفى هذا  الإعجاب ، حتى إن الراديوا  الفرنسي  أرسل له ، عندما أراد شكره  على الحديثين اللذين  قدمهما للمستمعين العرب ، كتاب فاليرى الجميل " السيد  تيست    Monsieyr Teste  المزين  بقلم فاليرى نفسه .
استقبلنا عمدة ليون  في مدينته كأصدقاء . وكان حديثه  ، كما هو  معروف ، عيدا . كان كل ما يقوله  مثيرا ، بل إن طريقته في قول ما يقول كانت  أكثر  إثارة .  وأقيمت بالطبع  عدة ولا ئم  ، غير أن وليمته كانت ممتازة.كان أيضا ذواقة شهيرا للأكل  . ولقد  حدثني بإطناب  عن الحدائق  خلال الغداء ،  وكان يقول  إن في عالم النباتات كما  هو الأمر  في العالم  الإنساني نباتات  وأشجار  غير متحابة بوضوح . لقد  قرر أن يبتكر زهرة في مزرعة  الورود  التجريبية حيث كانت تجرى تجارب علمية عظيمة . وسوف يطلق  على هذه  الوردة  اسم " سوزان طه حسين "  والحق ان مدير  المختبر أعلمني بعد ذلك  بسنة واحدة  تقريبا  عن ولادة  زهرة  شاي  مهجنة تحمل اسمي . لم أرها  أبدا . فقد  قامت  الحرب  ولم نعد إلى ليون . كان هيريو  أيضا  مرحا بقدر ما كان بليغا عندما منحته  جامعة  القاهرة الدكتوراة الفخرية . وبدأ  ينادي طه منذ ذلك  الوقت : "  ياعزيزي  العميد " .
رأيناه  ثانية في نهاية  الحرب  . فقد قضى أربعا  وعشرين  ساعة في القاهرة  في طريق عودته  من روسيا  إلى فرنسا .  وقد  تلطف  وزير  فرنسا  المفوض فدعانا لتناول الغداء بصحبته  في جلسة  خاصة .  وعندما  لمحته في الحديقة  حيث كان يتمشى  إلى جانب الوزير  بدا لي إنسانا متغيرا كليا ، متهالكا ، قد شاخ  بشكل  لا يصدق ، وعندما التقى طه به تعانقا . وانفعلت  من لقائي  به فعانقه  بدوري ، فقال السيد  لمبتسما : " إن الرئيس  محظوظ " . أما  زوجته  السيدة  هيريو  فقد  بدت لي أقل إنهاكا ،  وكان زوجها  يردد : " لقد  كانت رائعة ، رائعة ، فبفضلها  مازلت  أعيش ، إنها بطلة ! " . [242]

وفي العام  التالي ، كان مؤنس  يحضر في باريس محاضرة لهيريو  الذي كان قد  استعاد صحته . وعندما  تقدم  لتحيته ، قام هيريو بتقديمه مطولا الى كل من كان حوله ،  متحدثا بإطناب  عن أبيه . كان مؤنس  عفوى الإعجاب  بهذا  الرجل  المسن المتعب  الذي كان يجد في غمرة  هموم  الحياة السياسية الوسيلة للذهاب إلى المكتبة  الوطنية لمراجعة المخطوطات .
ثم ذهبنا في أحد الأيام  لزيارته ، كان رئيسا  للمجلس  النيابي ، لكنه كان مريضا جدا . كان يتنقل بصعوبة ، وكنا مضطرين لمساعدته  على المشي . وكان لقاؤنا ذاك به  هو لقاؤنا الأخير .[243]
"نتائج الحيات فى الأقوال والأفعال لعائشة التيمورية
        أديبة مصرية، من رائدات النهضة النصائية، نظمت الشعر بالعربية والفارسية والتركية، لها كتاب فى سيرتها الذاتية بعنوان "نتائج الحيات فى الأقوال والأفعال" يقول ديفيته رينولد عن هذا الكتاب:
          “ It describes her childhood aversion to the domestic education offered by her mother and her love of the world of books and learning opened up to her by her father.” (page : 283)[244]   
.
ان رفعت السعيد ، ولد سنة  1932 م ، وكان سياسي مصري  ، كتب سيرته الذاتية ، سماه "مجرد ذكريات " . ويعالج عبد الله الطوخي وكان كاتب وأديب مصري ألف كتابه في السيرة الذاتية وسماه "سنين الحب والسجن " .وكتب عبد الحميد كشك هو عالم وداعية اسلامي ، يعرف كتابه "  قصة أيامي " .وكتب الدكتور عبد الرحمن بدوي كتابه سيرة حياتيعلى جزئين. ويعالج لويس عوض في كتابه خرافات المصري وتقاليد في موطنه ، يعرف كتابه " اوراق العمر " .وكتب يحيى حقي هو كاتب وروائي مصري ، كتابه يعرف بعنوان " أشجان عضو منتسب " وكتب صلاح عبد الصبور سيرته الذاتية بعنوان "  حياتي في الشعر " الذي أصدر عن دار العودة في بيروت .ويعالج زكي نجيب محمود حياته وتعليمه وظيفته وحياته الكاملة في كتابه  " قصة نفس وغيرها  " ، لذا يعد هذا الكتاب في نوع السيرة الذاتية  .  ان عبد العزيز فهمي,هو شاعر مصري من أعلام الحركة الوطنية المصرية ، سجل حياته في كتابه " هذه حياتي "وكتب أنور السادات حياته الى عشرة فصول ، يداول فيه حياته ذكرياته المليمة المسيرة ، وقيام الحرب العالمية الثانية ، وأعماله . سماه  لهذا الكتاب  تحت عنوان " البحث عن الذات " وكتب محمد فريد هوساسى مصرى، رئيس الحزب الوطنى خلفا لمصطفى كامل 1908. له كتاب فى سيرته الذاتية "مذكرات ويوميات لمحمد فريد". وكتب احمد عرابى باشا,هو ضابط وطنى مصرى زعيم الحزب الوقمى، له كتاب فى سيرته الذاتية "مذكرات عرابى" طبعت دار المعارف سنة 1983م وكتب الياس فرحات       هو ابن حبيب، شاعر لبنانى من شعراء المهجر، ولد فى كفرشيما: له مذكرت فى سيرته الذاتية، قد عن هذا الكتاب فى كتاب "أعلام النثر والشعر فى العصر العربى الحديث (ج/2) ليوسف كوكان[245]. وكتب علي محمود طه         شاعر مصرى من شعراء النهضة الحديث أكثر سعره فى العزل ووصف الطبيعة. نشر ديرانه الأول "الملاح التائه "فى سنة 1934 م تجد فيه ذكريات الشباب وتأثره بالطبيعة فى دمياط ثم نشر ديوانه الشرق العائد "فى سنة 1945م تحدث عن بعض ذكرياته لرحلاته إلى اوربا قبل الحرب العالمية الثانية قد ذكر عن هذا، يوسف كوكان فى كتابه "أعلام النثر والشعر فى العصر العربى الحديث (ج/3).[246]
".


                                                               






                                                                                                            








[140] Interpreting the self :Autobiography in the Arabic Literary TraditionDwight. F. Reynolds p;56
[141] . توفيق الحكيم سجن العمر، ، ص: 17 

[142] . أحمد أمين حياتي ، ص: 16
[143] . ، ميخائيل نعيمة ،  سبعون ، ص: 28
[144] Interpreting the self :Autobiography in the Arabic Literary TraditionDwight. F. Reynolds.(Associate professor of Arabic language and literature in the Department of Religious Studies at the University of California, Santa Barhara.) p;123

[145] Interpreting the self :Autobiography in the Arabic Literary TraditionDwight. F. Reynolds.(Associate professor of Arabic language and literature in the Department of Religious Studies at the University of California, Santa Barhara.) p:344

[146] . أنور الجندي أضواء على الأدب العربي المعاصر، ص: 11
[147] . أنور الجندي، أضواء على الأدب العربي المعاصر،  ص: 13
[148]   توفيق الحكيم  سجن العمر" :ص:25
[149]     توفيق الحكيم  سجن العمر":ص:30
[150]:ص:33     سجن العمر"
[151] سجن العمر"   :ص:34    لتوفيق الحكيم
[152]    توفيق الحكيم ، سجن العمر ، دار مصر للطباعة  ، القاهرة  - 1990  ، ص 11
[153]   توفيق الحكيم ، سجن العمر ، دار مصر للطباعة  ، القاهرة  - 1990  ،  ص 28
[154] Writing the self: Auto biographical writing in Modern Arabic Literature. Dr. Robin Ostle, (University lecture in Modern Arabic of St. John’s College).p;245
155 عمر فروخ فى كتابه "الشابى – شاعر الحب والحياة:ص:23
156 مصطفى خريف ( 1910 – 1967  ) من الشعراء المعاصرين للشابي ، كان له دور في الحركة الأدبية إلى مماته . من دواوينه " الشعاع " ،  "    شوق وذوق "
157 عثمان الكعاك ( 1903 – 1976 ) من رجالات التاريخ والثقافة من مؤلفاته " تاريخ الجزائر " – " الفلكلور التونسي " – " البربر " .
[158]:ص:55      مذكرات ابى القاسم الشابى
[159]مذكرات ابى القاسم الشابى :ص:59       
[160]نجيب محفوظ :ص:14  أصداء السيرة الذاتية
[161] المصدر ذاته  ص  16

[162]    المصدر ذاته  ص  24
[163]   المصدر ذاته   ص  62
[164]    المصدر ذاته  ص    31
[165]    المصدر ذاته   ص  112
[166]   المصدر ذاته   ص  29
[167]    المصدر ذاته  ص   124
[168]   المصدر ذاته   ص   129
[169]    المصدر ذاته   ص    134
[170]    المصدر ذاته   ص  135
[171]    المصدر ذاته   ص   141
[172]    المصدر ذاته   ص   144
[173]    المصدر ذاته  ص    152
[174]    المصدر ذاته  ص    154
175   المصدر ذاته  ص   104
176   http: // www.arabicstory.net
177   حسين عيد ، نجيب محفوظ ، سيرة ذاتية وأدبية ، الدار المصرية اللبنانية ، القاهرة   -1997
178   المرجع نفسه   ص   282
179    المرجع نفسه  ص 16
180    نقلا عن المرجع نفسه    ص  22
181     المرجع نفسه  ص   138
182 اعلام النثر والشعر فى العصر العربى الحديث" ليوسف كوكان:ج \3\ص:211
183اعلام النثر والشعر فى العصر العربى الحديث" ليوسف كوكان:ج \3\ص:211
[184]   سلامة موسى  ، تربية سلامة موسى   ص 2
[185]   سلامة موسى ، تربية سلامة موسى    ص  4
[186]   نفس المصدر    ، ص    5
[187]    د/ إحسان عباس ، فن السيرة ، ص 105
188    د/ غالي شكري ، سلامة موسى ، وأزمة الضمير العربي، دار الآفاق الجديدة ، بيروت  ط 4  1983  ، ص 8
189   سلامة موسى ، تربية سلامة موسى ، ص 73
190   نفس المصدر  ص 97
190  نفس المصدر   ص  95
[192]   نفس المصدر   ص  274
[193]    نفس المصدر   ، ص 190  - 193
[194] قصتى مع الشعر لنزارالقبانى:ص:12
[195] مجلة – الرسالة- من مارس 1946م
[196] مجلة – الرسالة- من يونيو 1946م
[197] قصتى مع الشعر لنزارالقبانى:ص:10
[198] قصتى مع الشعر لنزارالقبانى:ص:12
[199] 23 قصتى مع الشعر لنزارالقبانى:ص:
[200]  24قصتى مع الشعر لنزارالقبانى:ص:
[201]  67قصتى مع الشعر لنزارالقبانى:ص:
[202]:123  قصتى مع الشعر لنزارالقبانى:ص
[203] سبعون لميخائيل نعيمة:ص35     
[204] سبعون لميخائيل نعيمة:ص:14
[205] سبعون لميخائيل نعيمة:ص:18
[206] سبعون لميخائيل نعيمة:ص:19
[207]   سيد قطب – طفل من القرية – باب ( العفاريت ) ص 99 – 123
[208]    سيد قطب طفل من القرية ص 23 ، 36 – 45 ، 50 -53 ، 68 – 71 ،
[209]:ص:14                  سيرتى" لشيخ محمد عبده
[210]    سيرتى" لشيخ محمد عبده :ص:19       
[211]    قصة حياة ، دار الشعب ، د ت ص 2
[212]    المصدر ذاته ، ص 8
[213]     المصدر ذاته ، ص 9
[214]    المصدر ذاته ،  ص 67
[215]    المصدر ذاته ، ص 80
[216] . أعلام النثر والشعر في الأدب العربي الحديث، د. محمد يوسف كوكن، ج/1 ، ص: 115
[217] . نفس المرجع ، ص: 118
[218] . Interpreting the self :Autobiography in the Arabic Literary TraditionDwight. F. Reynolds. (Associate professor of Arabic language and literature in the Department of Religious Studies at the University of California, Santa Barhara;p;56
[219] . قصة نفسي؛ عبد الرحمن شكري؛ ص: 6
[220] الذكريات والملاحظات" لكارل بروكلمان:ص:13
[221] Interpreting the self :Autobiography in the Arabic Literary TraditionDwight. F. Reynolds.(Associate professor of Arabic language and literature in the Department of Religious Studies at the University of California, Santa Barhara.)

[222] Interpreting the self :Autobiography in the Arabic Literary TraditionDwight. F. Reynolds.(Associate professor of Arabic language and literature in the Department of Religious Studies at the University of California, Santa Barhara.)

223 كارل بروكلمان:الذكريات والملاحظات" ص:99-128
[224] Interpreting the self :Autobiography in the Arabic Literary TraditionDwight. F. Reynolds. (Associate professor of Arabic language and literature in the Department of Religious Studies at the University of California, Santa Barhara(
[225]    بنت الشاطئ ، على الجسر : رحلة بين الحياة والموت ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة  ، 1999 ، ص 3
[226]    المصدر نفسه   ص  7
[227]    المصدر نفسه   ص   23
[228] Interpreting the self :Autobiography in the Arabic Literary TraditionDwight. F. Reynolds. (Associate professor of Arabic language and literature in the Department of Religious Studies at the University of California, Santa Barhara
[229]    زينب الغزالي ، أيام من حياتي ، دار الشروق ، القاهرة  1992 ، ط 13 ، ص 14
[230]    المصدر ذاته   ص    36
[231]   المصدر ذاته  ، ج 4 ، ص 263
[232]   المصدر ذاته ، د 5 ،  ص  14
[233]   المصدر ذاته  ، د 5 ،  ص 212
[234]    المصدر ذاته  ، ج 1   ، ص  35
[235]    المصدر ذاته   ، ج 3   ، ص  186
[236]     نجيب كيلاني ، "تجربتي الذاتية في القصة الإسلامية " دار ابن جزم للطباعة والنشر والتوزيع بمدينة  بيروت ، 1991 م
[237]     نجيب كيلاني  ، " حول القصة الإسلامية " ، مؤسسة الرسالة  ، بيروت ، 1992
[238]    نجيب كيلاني ، "تجربتي الذاتية في القصة الإسلامية "  ص 22  ، 23
[239] "معك" لسوزن طه حسين:ص:7
[240] "معك" لسوزن طه حسين:ص
[241] "معك" لسوزن طه حسين:ص
[242]  56 "معك" لسوزن طه حسين:ص
[243]  67"معك" لسوزن طه حسين:ص
[244]  Interpreting the self :Autobiography in the Arabic Literary TraditionDwight. F. Reynolds.(Associate professor of Arabic language and literature in the Department of Religious Studies at the University of California, Santa Barhara.) p;183

[245]:ص:23 أعلام النثر والشعر فى العصر العربى الحديث  ليوسف كوكان
[246]:ص45 أعلام النثر والشعر فى العصر العربى الحديث  ليوسف كوكان

Arabic story for LP

اَنَا اَقُصُ اَمَامَكُمْ قِصِّةً عَنِ دَارِسَةُ الاَمِينَة اِسْمُهَا فَاطِمَة مَاتَ اَبُوهَا قَبْلَ سَنَوَاتٍ وَكَانَتْ تَعِيشُ مَعَ اُمِّهَ...