Saturday 11 February 2017

"الفلكلور" في الأدب العربي

دكتور: محمد سليم.ام. طي.

"الفلكلور" في الأدب العربي
تشير المؤلفات القديمة إلى أن الاهتمام بالفلكلور ليس حديثا،ً فكتب الرحلات والتاريخ والأدب ـ منذ أقدم الأزمنة وحتى العصور الحديثة ـ غنية بالمادة الفلكلورية بمفهوم الفلكلور الحديث، فالمؤرخ اليوناني هيرودوت نقل كثيرا من الأساطير والعادات في اليونان، ومصر القديمة، وفارس، كذلك فإن الوثائق العديدة المكتشفة في بلاد ما بين النهرين، ومصر، واليونان وغيرها من المناطق التي كانت مسرحاً للحضارات القديمة فيها مواد فلكلورية هامة؛ خاصة تلك التي تتعلق بالمعتقدات الدينية: كالترانيم والطلاسم السحرية، أو الفنون كفن التجميل أو الوشم أو الصناعات اليدوية ، أما في العصور الوسطى، فتبدو المؤلفات العربية القديمة، ككتب الرحالة والأدب والتاريخ والجغرافيا والسير، حافلة بالحديث عن بعض جوانب الحياة التقليدية في تلك العصور، ومنها على سبيل المثال: "أغاني الأصفهاني"، و"تاريخ الطبري"، وبعض مؤلفات الجاحظ "كالحيوان"، و"رحلات ابن بطوطة"، وابن جُبير، و"كليلة ودمنة" وغيرها.
          ولكن هذا الاهتمام، سواء أكان في تدوين المادة الفلكلورية أم في فحصها والوقوف على أثرها وأهميتها، لم يكن الهدف منه – في الماضي- إبراز هذا التراث كجانب مستقل له أهميته الخاصة، كما كان الاهتمام بالشعر أو التاريخ أو العلوم الأخرى، وإنما كان يروى غالباً لارتباطه بجوانب أخرى من اهتمام أصحاب هذه المؤلفات.
لقد ظهر الاهتمام الجاد بدراسة الفلكلور في عصر النهضة بالذات، حين بدأت تباشير التحرر الفكري والديني بالظهور، وبدأ الشعور القومي يحل محل الشعور الديني في أوروبا، وأخذت اللغات القومية الخاصة بكل شعب تنبثق من اللاتينية… وأصبحت هذه اللغات القومية، لغات فكر، وأدب، وعلم، بالإضافة لكونها لغة حديث العامة من الناس، وهم كثرة الشعوب الأوروبية، وأخذ الشعراء يتغنون بفضائل لغتهم القومية.
          ولم يكن من قبيل الصدفة أن تكون بداية الدراسات الشعبية على يد الرومانسية، في ألمانيا بالذات؛ حيث مؤسس الحركة الرومانسية وملهمها هيرور، الذي اهتم بجمع الأغاني الشعبية من أفواه أفراد الشعب؛ ليثبت أصالة الألمان وعبقريتهم، ويقوم الأخوان "جرايم" بجمع النصوص الشعبية خوفاً من ضياعها ولتأكيد الهوية القومية.
  تعريف الفلكلور
إن أول من استعمل مصطلح الفلكلور هو الإنجليزي "وليم تومز" ويتألف المصطلح من شقين (folk) يعني العامة أو الشعب، والثاني (Lore) ويعني المعرفة، وبهذا يكون المعنى الحرفي للمصطلح معارف العامة،  وقد شرح "تومز" في مقالاته في صحيفة "ذي أثينيوم" ما عناه بمعارف العامة، وبيّن أنها: المعتقدات والأساطير والعادات، وما يراعيه الناس، والخرافات والأغاني الروائية والأمثال الخ… التي ترجع إلى العصور السالفة ومن خلال التدقيق في هذا التعريف، نلاحظ أن "تومز" حاول الإحاطة بفروع الفلكلور، لكنه لم يقدم تعريفاً جامعاً مانعاً له.
          ويتطور تعريف المصطلح على يد "الفردنت" في قاموس "مصطلحات الأثنروبولوجيا والفلكلور"، فيعرف الفلكلور بأنه: أنثروبولوجيا تتعلق بالإنسان البدائي، وتعكس هذه الأنثروبولوجيا مجموعة من المعارف والخبرات والفنون، عبّر الإنسان بواسطتها عن أحاسيسه، ورغباته وتجربته، وجعلها هادياً له في تنظيم أموره الحياتية والاجتماعية، ويحافظ المجتمع على نقلها من جيل إلى الجيل الذي يليه. ولعل هذا التعريف الإجرائي هو خلاصة نقاشات ودراسات طويلة، في جمعيات الفلكلور، ومدارسه المختلفة.
                              بدأت دراسة المأثور الشعبي العربي بجهود فردية غير منظمة، حيث تركزت هذه الدراسات الفردية في ملاحظات عامة، وفي جمع بعض الجوانب من المادة الفلكلورية، ويمكن أن نمثل لهذه المرحلة بكتابات أحمد تيمور (الأمثال العامية)، وخيال الظل، واللعب والتماثيل المصورة، ولوقتنا هذا، لم تحتل دراسات التراث المكانة اللائقة بها، إلا أن هناك مؤشرات إيجابية، تدفع باتجاه الاهتمام بدراسة الفلكلور ليحتل المكان اللائق، ومن هذه المؤشرات:
الأدب الشعبي خير وسيلة تلقائية تعبّر بها الأمم عن ذاتها بكل حرية، وتجرد، ودون أي قيد. فالأدب الشعبي هو التعبير الفطري الصادق عن أحلام الأمة، وآمالها، وبؤسها، وشقائها، وهو ظلها الذي يصاحبها عبر الزمن، مهما اختلفت الأحوال والأماكن.
          ولهذا السبب كانت دراسة الأدب الشعبيّ بالغة الأهمية لمن يحاول دراسة نفسية شعب من الشعوب. ومثل هذه الدراسة، إن اتسمت بالعمق والجد، فإنها تساعد على إدراك الخصائص الأساسية لهذا الشعب، وتمكّن من رسم طريق واضح الأهداف لمستقبل أفضل.
          إن هذا النوع من الأدب متداول بشكل شفاهي عبر العصور، متوارث جيلاً بعد جيل، ويشمل الفنون القولية مثل الحكاية الشعبية، والأغاني الشعبية، والألغاز، والنكات، والنوادر، ونداءات الباعة، وشعارات المظاهرات، والتعبيرات  الشعبية  الشائعة.. وهو لا ييسند لفرد بعينه، بل تشارك الجماهير في إبداعه وإعادة إنتاجه عن طريق قبولها له، وتعديلها لصورته، وتهذيبها لصياغته لتناسب ذوقها عندما تتداوله، وما احتفاء الجماعة به إلا لأنه صادر عن وجدانها الجمعي.
          تكمن أهمية دراسة الأدب الشعبي، في توطيد العلاقة بين ماضي الشعب وحاضره، وربط هذا الحاضر بتطلعات الشعب المستقبلية، ومن هنا تتعاظم أهمية مؤسسات البحث في التراث، وتشتد الحاجة إليها في الوطن العربي، ولا سيما أن القائم منها سطحي بسيط، بل ربما أدّى إلى نتيجة عكسية تظهر فطرية التراث، أو  قدّمته بشكل مهلهل سخيف، يتضاحك حوله مثقفو الأمة.

                   من هنا تتأتى مسؤولية الشعب، والباحثين في مجال الأدب بشكل عام، والشعبي منه بشكل خاص، في دراسة هذا الأدب بشكل جدي، ووضعه تحت مجهر النقد التحليلي، لمعرفة امتدادات هذه الأمة؛ المادية، والمعنوية، والقيم، والمفاهيم، والاتجاهات، التي كانت أساساً لثقافتها، فنحن نمارس كثيراً من فنون تراثنا وأنشطته بشكل تلقائي، فطري يومي، مثل الغناء، والرقص، والنواح على الميت، واستخدام المثل الشعبي.. إن هذه الممارسة تتعمق إذا أدركنا كنه هذه الفروع والأنشطة، وربطناها بماضي الأمة وحاضرها.

No comments:

Post a Comment

Arabic story for LP

اَنَا اَقُصُ اَمَامَكُمْ قِصِّةً عَنِ دَارِسَةُ الاَمِينَة اِسْمُهَا فَاطِمَة مَاتَ اَبُوهَا قَبْلَ سَنَوَاتٍ وَكَانَتْ تَعِيشُ مَعَ اُمِّهَ...